يقوم المرشح الجمهوري المفترض للانتخابات الرئاسية الأميركية ميت رومني بزيارة إلى بريطانيا وبولندا وإسرائيل هذا الأسبوع، ضمن جهد يروم توسيع احتكاكه بمواضيع السياسة الخارجية. وخلال الأيام القليلة قبيل سفره، كشف رومني، الذي تعهد بعدم انتقاد الرئيس أثناء وجوده في الخارج، عن خلافاته مع أوباما في خطاب ألقاه أمام قدماء المحاربين، وفي حوار صحفي مع صحيفة "إسرائيل حيوم" الإسرائيلية، التي يملكها رجل الأعمال المثير للجدل شلدون أديلسون الذي يملك كازينو ويمول الدعاية المثيرة للخوف من الإسلام. وإذا كان القصد من الخطاب الذي ألقاه رومني أمام قدماء المحاربين، تقديم لمحة عن السياسات التي سيتبعها إذا ما أصبح رئيساً، فإنه مثّل خيبة أمل كبرى لأنه كان قوياً من حيث البلاغة وضعيفاً من حيث المضامين والتفاصيل. وقد كانت انتقاداته للرئيس أوباما قوية وقاسية، حيث اتهم إدارته بأنها "قوضت الزعامة الأميركية"، وأضعفت الجيش، وأثارت "أزمة أمن قومي"، و"خانت الثقة التي يضعها الحلفاء في الولايات المتحدة". رومني، الذي ألقى كلمات بدت كما لو أنها أُعدت في أوج الحرب الباردة من قبل كتاب خطابات الرئيس رونالد ريجان، أكد اعتقاده بأن "بلدنا هو أعظم قوة للخير يعرفها العالم على الإطلاق"؛ وأن أميركا يجب أن تمتلك "أقوى جيش في العالم"؛ وأعلن "قناعته القوية" بأن "هذا القرن يجب أن يكون قرناً أميركياً... نقود فيه العالم الحر والعالم الحر يقود العالم بأسره". وإذا بدا أن كل هذا يذكر بخطابات ريجن أو إعادة لخطاب جورج دبليو. بوش، فذلك لأن الكثيرين من مستشاري رومني للسياسة الخارجية أتوا من "مشروع قرن أميركي جديد"، المؤسسة التي أنشأها مساعدو عهد ريجان وشغلوا في ما بعد مناصب في إدارة بوش. وإذا كان خطاب بوش الابن كثيراً ما جمع بين نظرة "المحافظين الجدد" للعالم، والقائمة على ثنائية الخير والشر و"مانوية" الأصولية المسيحية اليمينية، ففي حالة رومني هناك خليط مقلق من تشدد "المحافظين الجدد" والتفوق الأميركي العسكري، مع خطابٍ مورمونيٍ يقول باستثناء أميركا بأمر الله. وتماماً مثلما أن تأويل بوش للمسيحية لم يكن يتقاسمه معظم المسيحيين، فإن رؤية رومني لأميركا تعكس رؤية أقلية بين المورمن. وفي ما عدا جانب البلاغة، فإنه لم يكن ثمة شيء آخر جدير بالملاحظة في مواقف رومني من مواضيع السياسة الخارجية. ومثلما لاحظ آخرون، فإن الكثير من الانتقادات التي وجهها رومني لإدارة أوباما كانت إما خاطئة من الناحية الموضوعية، أو تقوم بتمييزات تافهة وغير ضرورية، أو مجرد سياسة سيئة. وعلى سبيل المثال، فعندما يتهم رومني الرئيس أوباما باقتراح "تقليص كبير و عشوائي وشامل في ميزانية الدفاع"، فإنه يتجاهل حقيقة أن هذا التقليص لم يكن بسبب أوباما، وإنما هو نتيجة اتفاق أمر به الكونجرس، ويعزى إلى فشل هذا الأخير في التصرف على نحو مسؤول ورفع سقف الدين. كما أن اتهام رومني لهذه الإدارة بأنها "ستُضعف نظام إدارة قدماء المحاربين "، خاطئ تماماً وعارٍ عن الصحة لأن الرئيس زاد من الإنفاق على قدماء المحاربين في الواقع. وفي مجالات أخرى، من الصعب رؤية أين تختلف السياسات التي يدافع عنها المرشح رومني عن سياسات البيت الأبيض. وعلى سبيل المثال، فعلى الرغم من رفضه لسياسة أوباما تجاه أفغانستان أو السياسة الحالية تجاه سوريا، إلا أن رومني ينتهي به الأمر في الأخير إلى دعم المقاربة نفسها تجاه البلدين. ثم إنه إذا كان اتهام هذه الإدارة بخيانة حلفاء أوروبيين مثل بولندا وجمهورية التشيك، قد يسجل بعض النقاط في الداخل لدى جاليات إثنية مستاءة وساخطة تنحدر من أوروبا الشرقية، فالواقع هو أن كلا البلدين يبدوان راضيين جداً عن الالتزامات التي تلقياها من الرئيس أوباما. وفي ماعدا انتقاد الطريقة التي تناولت بها الولايات المتحدة العلاقات مع مصر، وهي بلد يعرف تحولات دراماتيكية؛ وروسيا، وهي بلد يميل بشكل متزايد إلى تأكيد قوته وفرض نفسه، فإن رومني لا يقدم أي وصفات لتغيير حقيقي في السياسة. ويخصص حاكم ماساتشوسيتس السابق أقوى انتقاداته للطريقة التي تعاطى بها أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الصعب بنيامين نتنياهو. وهذا قد يعجب بعض اليهود الأميركيين الموالين لليكود والمسيحيين اليمينيين، لكنه يتجاهل التاريخ القريب المتمثل في ضرورة أن يجد صناع السياسات الأميركيين حلا للنزاع العربي الإسرائيلي المقلق جداً، وهذا موضوع يتحاشى رومني الخوض فيه. ولئن بدا رومني أكثر تهديداً لإيران وأقل استعداداً للتفاوض معها، مقارنةً مع إدارة أوباما، فإنه من غير الواضح كيف سيتعامل مع البرنامج النووي لذلك البلد عدا خوض الحرب. ولعل المقلق في كل هذا هو حقيقة أن رومني مازال مستمراً في إظهار مدى انفصاله عن العالم المتغير الذي ورثته إدارة أوباما. فرومني يصف عالم اليوم بأنه مكان "خطير ومدمر وتعمه الفوضى"؛ والحال أن السياسات المتهورة والمهملة لإدارة بوش، وليس إدارة أوباما، هي التي أوصلتنا إلى هذه الحالة اليوم: حربان فاشلتان، والامتناع عن استعمال الدبلوماسية في وقت كان يمكن أن تُحدث فيه فرقاً، وجنوح إلى السياسات الأحادية، واعتماد على ممارسات انتهكت حكم القانون ولطخت صورة أميركا... وهي كلها أشياء اجتمعت وتضافرت لتنتج مشاعر واسعة معادية للولايات المتحدة، وتوسيعاً وتقويةً للحركات المتطرفة، وإضعافاً لحلفاء أميركا. لقد انطلقت إدارة أوباما، وهي عاقدة العزم على تغيير المسار. وقد تمكنت من تحقيق بعض النجاحات في إعادة بناء علاقات معتدلة مع حلفاء في "الناتو" وبعض الدول في آسيا وأميركا اللاتينية، لكنها عندما قوبلت بضغط داخلي قوي في مناطق أخرى، لاسيما في الشرق الأوسط، ضعف تصميمها. وفشلت في مناسبات كثيرة في تحقيق اتفاق عام حول مقاربات بديلة لصنع السلام، ومحاربة التطرف، ودعم الإصلاح الديمقراطي. وقبلت على مضض بمجموعة متنوعة من السياسات الحالية، وسلوك طريق به أقل قدر من المقاومة. لكن حتى مع الانتقادات المبررة التي يمكن تقديمها عن أداء إدارة أوباما، فلابد من القول إن دعم رومني الكامل للسياسات الفاشلة لعهد بوش، هو أكثر إثارة للقلق بكثير. فهذا ما سمعناه من مرشح الحزب الجمهوري هذا الأسبوع قبل أن يغادر. ومما لا شك فيه أننا سنسمع المزيد منه بعد عودته.