في سوريا مأساة إنسانية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، والمشاهد الدامية التي تنقل يومياً على الهواء تمثل نقطة انعطاف في النفسية الإنسانية ربما لم نألفها من قبل. فمن المتوقع أن ترى مثل هذه الدماء وأعداد الشهداء والمدن المحروقة في حرب بين عدو غاز وبلد مستباح، لكن أن يكون حاكم هذا البلد، المنتخب كما يدعون، وعصبة متحالفة معه هم من يرسمون لوحة قاتمة من الدماء والأشلاء، ويتوقعون من العالم الصمت والتخاذل، فذلك مشهد لم يتكرر إلا في العصور الماضية. فمع تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أصبح الكذب مكشوفاً وصار من الحمق تأليف قصص كان الأب يستخدمها قديماً لخداع قومه، وعلى نهجه مشى ابنه ظناً منه أن العالم اليوم كما عهده في زمن أبيه الذي هدم المدن على الناس في ظل صمت مهين من البشرية إلا من رحم ربك. اليوم انكشف الستر وأصبح الطاغية في أي بلد لا يملك الإعلام لأنه تحرر من ظل جبروته، وانقسم الإعلام في نظر الناس إلى قسمين؛ إعلام كاذب يحاول ستر ما يراه الناس جهراً وإعلام الواقع الذي ينقل المشهد كي يسمح للمشاهد بالحكم وفق عقله على ما ترى عينه. وفي ظل هذه الأزمة العالمية انقست الدول إلى محورين، مؤيد للقتل والدمار الذي تقوم به عصابات الحكومة السورية يومياً، ومعارض لسياسة التقتيل والتهجير التي تتعارض مع كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية... لم يكن مستغرباً أن تقف روسيا مع حكومة دمشق في هذه الأزمة وتدعمها على أرض الواقع وفي المحافل الدولية. فمع تحول سوريا المستقبل إلى دولة ديمقراطية حرة تكون روسيا قد خسرت آخر موضع لها على البحر الأبيض المتوسط، وتفقد بسقوط الأسد حليفاً عربياً قوياً في المنطقة. ولم يكن مستغرباً وقوف الصين موقف المؤيد للأسد في مجلس الأمن، فمن يقرأ بتريث سياسة الصين الخارجية، يجد أنهم يعارضون التدخل الأجنبي في أي دولة تحت مختلف المسميات، فإن لم يعارضوا وقفوا موقف الحياد، وهذه سياستهم كما يقول أهل الاختصاص. الموقف الذي أذهلني وجعلني أعيد الكثير من الحسابات في رأسي كان موقف الحكومات والأحزاب التي رفعت ردحاً من الزمن شعار نصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض ورفع القيد عن المضطهدين ومحاربة المعتدين. عمائم استثمرت البعد الديني لخداع الناس، ومثّلت على العرب أكبر قصة دراما اسمها "المقاومة الإسلامية"... هؤلاء الذين انخدعنا ببطولاتهم الزائفة، كشفتهم هذه الغمة وبينت العقلية التي تجلس متربعة تحت ظلال العمائم السوداء. إنها قلوب حاقدة... هذا أبسط ما يقال عنها، وإلا كيف نفسر خطاباتهم التي يستحيي الطفل من قولها، وكيف نبرر موقفهم الداعم لحكومة الأسد ضد شعبه، فهم مستعدون للقتال معه حتى ولو مسح مدناً كاملة من الخارطة السورية مقابل بقاء حكومته! هل هذا المنطق مقبول في المنهج والدين الذي تؤمن به هذه الطائفة؟ إن كان الأمر كذلك فأبشر أيها العربي بخراب بالبصرة وبغداد. إن المنهج الذي سلكه "حزب الله" وإيران تجاه الحدث السوري جعلنا نتأكد من أن كل شعارات المقاومة إنما كانت للمساومة، وأن تحالفهم الاستراتيجي مع الأسد حصن انهار ستتبعه زلازل في المنطقة، وإن قدر للأسد البقاء فإن روح الانتقام ستكون أشد وأنكى.