بعد تزايد وتيرة العنف والقتال في العاصمة دمشق، وانتقالها الآن إلى مدينة حلب، تراجعت كثيراً احتمالات التغيير السلمي الذي سعت إليه الجامعة العربية والمنظمات الدولية بقيادة أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان لإرساء السلام في سوريا. فالوضع في سوريا قد تغير الآن كثيراً، ولم يعد منطقياً العودة إلى ما كان عليه الحال في السابق، فالقتال العنيف لا يزال مستمراً، وعملية إسقاط النظام أصبحت مسألة وقت فقط كما قال رئيس بعثة المراقبين الأمميين، ربما تطول أو تقصر... وقد أعلن المتحدث باسم "الجيش السوري الحر" أن سقوط النظام أصبح أمراً وشيك الحدوث وقد يكون في نهاية هذا الشهر الفضيل أو بعده بقليل. أنصار النظام يرون بأن معركتهم ضد الإرهابيين المدعومين من الغرب ودول الخليج، وتحديداً قطر والسعودية، سوف تنتهي قريباً جداً. أما الدول الغربية، بما فيها روسيا، إضافة إلى الصين، فقد أصدرت بيانات متعددة تحذر فيها من لجوء النظام السوري إلى استعمال مخزوناته من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المحظورة دولياً. وهناك بالفعل قلق متزايد على مستقبل سوريا، ومن الذي سيحكمها بعد سقوط نظام الأسد؟ لكن لا أحد يشكك في مقدرة الشعب السوري على إقامة نظام تعددي ديمقراطي مدني حر بعد رحيل الأسد. هذا رغم حقيقة أن التجارب العربية مع ثورات "الربيع العربي" التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر واليمن، ووعدت شعوبها بالحرية والديمقراطية والنظام التعددي الحر... أفرزت أنظمة حزبية إسلامية إقصائية، لديها مواقف واضحة معادية للحريات وللتعددية الفكرية والدينية، وتسود هذه الأنظمة ثقافة الاحتكار وإقصاء الآخر. ما يقلقنا فعلاً على مستقبل سوريا هو تزايد الخلافات والانشقاقات بين أقطاب المعارضة. هذه الخلافات برزت في الوقت الذي يتصدى فيه الشعب السوري وشباب الجيش الحر لآليات القتل والحرق والتشريد واستعمال الأسلحة الثقيلة والدبابات والمدفعية والصواريخ الراجمة والطيران... ضد المدنيين في الأحياء السكنية بمختلف المدن السورية. إن تماسك الشعب السوري ومحافظته على نسيجه الاجتماعي المتعدد والمتنوع، هو الضمانة الوحيدة لاستقرار سوريا المستقبل، وهذا يعني ببساطة احتضان الدولة الجديدة كل فئات المجتمع، من أديان وطوائف وقوميات، وألا يتم إقصاء أحد مهما كانت الأسباب، وهذا يتطلب إعطاء ضمانات تطمئن الطائفة العلوية وغيرها من الطوائف والفئات والقوى الاجتماعية والسياسية، إلى أن سوريا الجديدة ستكون بلدهم، وأنه لن يتم حسابهم على جرائم النظام. دول الاعتدال العربي، ومعها الدول الغربية والدول الديمقراطية في العالم، متخوفة من انحراف الثوار والثورة إلى العنف والانتقام، فالنظام الاستبدادي مزق نسيج المجتمع السوري وخلق فتنة بين فئاته المختلفة، حيث سوّق للطائفية والأحقاد الدينية بين الطوائف، مما جعل من الصعب جداً تصور بروز نظام مستقر في سوريا خلال الفترة القريبة القادمة. مطلوب من المجتمع الدولي وقوى السلام والتقدم، مساعدة الشعب السوري في محنته الحالية، لضمان مستقبل أفضل.