تروي كتب السيرة النبوية تفاصيل وإشارات عن السيدة حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب، وهي مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكما جاء في كتاب "التحفة الجسيمة في إسلام السيدة حليمة"، أنها "قدمت على الرسول بمكة وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلّم لها خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، وانصرفت إلى أهلها. وقدمت عليه أيضاً في يوم حنين، فقام وبسط لها رداءه، فجلست عليه وقضى لها حاجتها، فلما توفي صلى الله عليه وسلم، قدمت على أبي بكر الصديق فصنع لها مثل ذلك، ثم عمر، ففعل ذلك". هذا ما يورده رفاعة رافع الطهطاوي في كتاب له قليل التداول عنوانه "نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز"، ومما جاء فيه: "روي أنه أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم نسوة غير آمنة: ثويبة، وحليمة، وخولة بنت المنذر، وأم أيمن، وامرأة سعدية غير حليمة، وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة، لقوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: أنا ابن العواتك من سُلَيْم". وتقول الرواية المعروفة إن حليمة قدمت مكة من البادية في سنة قحط شديدة، مع عشر نسوة من قومها يلتمسن الرضعاء. "وقد عُرض المبارك عليها... ثم أخذته إذ لم تجد غيره، فرأته مدرجاً في ثوب صوف أبيض يفوح منه المسك، وكان راقداً على قفاه، فهابت أن توقظه، فوضعت يدها على صدره فتبسم ضاحكاً، وفتح عينيه فقبلته وأعطته ثديها الأيمن، فَقَبِلَهُ، وحوّلته إلى الأيسر فأبى، لأن الله ألهمه العدل وأعلمه أن له شريكاً هو ابنها فترك له ثديها الأيسر، وكانت هي وناقتها في أشد الجوع والهزال وعدم اللبن، فبمجرد أن وضعته في حجرها أقبل ثديها فروى وروى أخوه ودرّت ناقتهم فأشبعتهم تلك الليلة لبناً". (نهاية الإيجاز، ص 50 - 52). وتقول الدكتورة إلهام البابطين في كتابها "الحياة الاجتماعية في مكة"، إنه "جرت عادة المكيين قبل الإسلام أن تقوم النساء بإرضاع أبنائهن، إلا أن الميسورين منهم يرسلون أبناءهم إلى المراضع في بوادي مكة من أجل الرضاعة والتنشئة الأولى، ويقال للمرضعة ظئراً". ولعل أقوى الأسباب لإرسال الطفل إلى المرضعة، تقول الباحثة، فوائد الإقامة بالبادية من عافية وفصاحة وتعلم فروسية. ومن الدوافع الأخرى، كما يذكر ابن سعد، ما له علاقة بالزوجين، وهو أن تتفرغ الأم لزوجها ولا تنشغل بالطفل. ومن الطريف أن هذه العادة كانت سائدة بمكة في القرن الثالث عشر الهجري، حيث يذكر بوركهارت، الرحالة السويسري الشهير الذي قضى بمكة ثلاثة أشهر عام 1814، أن من عادات أشراف مكة "إرسال كل طفل ذكر من أطفالهم بعد ثمانية أيام من مولده إلى بعض خيام البدو المجاورين ليتربى مع أطفالها، ويظل يتعلم حياة البدو كما لو كان بدوياً حقيقياً". وكما تلاحظ الدكتورة البابطين فقد حصل خلا هذه المرحلة تغير في المجتمع المكي، نتيجة لانتشار الرقيق والموالي في العهد الأموي. وكان المجتمع المكي يعرف، إلى جانب المرضعات، الحاضنات أيضاً. ولم تختلف التنشئة الأولى للطفل في "الجاهلية" عنها في الإسلام، على أن التطور الرئيسي بعد الجاهلية، كان هو تعليم الصبي مبادئ القراءة والكتابة ويتبع ذلك تعليمه القرآن ثم أحكام الإسلام. ولدينا إشارة طريفة تفيد بأن الصبيان في شهر رمضان يلتحقون بالكُتاب مساءً. وكان بعض أهل مكة يعبر عن فرحته عندما ينهي الصبي تعليمه بالمكتب ويختم القرآن، بأن يطوفوا به حول الكعبة أو في الشوارع. ومن العادات التي عرفت في مكة خلال العهد الجاهلي أنهم كانوا إذا أرادوا ختان غلمانهم ذهبوا بهم إلى "هُبل"، ثم يحتفلون ويقيمون الولائم. أما الطلاق الشائع عند العرب قبل الإسلام في مكة والجزيرة العربية فكان ثلاث مرات، وتذكر بعض المصادر أن العرب في الجاهلية لم يلتزموا بعدد الطلقات، واستمر ذلك في أول الإسلام حتى نزلت آية "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة، 229). وكان بعض النساء قبيل الإسلام يملكن عصمتهن بأنفسهن، وكان "الخُلع" معروفاً وأقرّه الإسلام. ودار خلاف حول ما إذا كان على المرأة إعادة كل المهر أم بعضه. كما كان هناك خلاف بين الفقهاء حول الخلع، هل هو طلاق أم فراق؟ وعلاوة على الانفصال الأبدي بين الزوجين، هناك الظهار، وهو تحريم للعلاقة إلى أن يكفِّر الرجل. ومن الانفصال المؤقت "الإيلاء"، وفيه يحلف الرجل على ترك زوجته مدة يحددها، وقد أقره الإسلام كانفصال مؤقت لا تزيد مدته عن أربعة أشهر. ومن صوره أيضاً "المصارمة"، وهي الهجر والقطيعة. ومنها كذلك "العَضْل"، وهو المنع، إذ كان بعض الرجال يعضل امرأته بمعنى أن لا يعاملها معاملة الأزواج كنوع من الضغط. ولم تكن للنساء قبل الإسلام عدة بعد الطلاق، فكانت المطلقة تتزوج وهي حامل، وتلد على فراش زوجها الجديد من زوجها السابق. وكان لأهل مكة عاداتهم في الحزن ومراسم الوفاة، وكثيراً ما كان يتم العزاء للرجال في المسجد الحرام أوقات الصلاة. وقد تلقى ابن عباس العزاء بمقتل الحسين بن علي في المسجد الحرام، وفي داره أيضاً. وعزى عبدالله بن عمر أسماء بنت أبي بكر بمقتل ابنها عبدالله بن الزبير بناحية من المسجد الحرام. واجتمعت نساء بني المغيرة، وأهرقن دموعهن حزناً على وفاة الصحابي خالد بن الوليد. وكانت النساء يلبسن عند الحزن لباساً يسمى المُسوح والسِّلاب، وهي ثياب سود اللون خشنة النسج. وكان من عادات نساء العرب قبل الإسلام أن المتوفى عنها زوجها تعمد إلى شرِّ بيتٍ وتجلس فيه سنة كاملة، ثم تخرج منه وقد تطيبت وتزينت بما شاءت.