مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، واشتداد الحملة الانتخابية، ترتفع وتيرة المنافسة بين المرشحين المختلفين ليأخذ أحياناً منحى موغلا في القساوة. ولعل ما تعرض له المرشح الجمهوري، ميت رومني، من هجوم شنته عليه حملة الرئيس أوباما، يكشف جانباً من المنافسة الشرسة التي تميز الانتخابات الأميركية، حيث صُور رومني على أنه رجل الأعمال الرأسمالي الذي لا يأبه لمصير الفقراء، بل تم النبش في حياة أسرته وعلقت الصحافة مطولا على الحياة المرفهة التي تعيشها زوجته. لذا، وفي ظل الأجواء المحتقنة للانتخابات الرئاسية الأميركية، من الطبيعي اهتمام الكتاب والأكاديميين بالظاهرة الانتخابية في جوانبها المتعددة، سواء تعلق الأمر بالمواصفات الشخصية الواجب توفرها في المرشح، أو استراتيجياته الانتخابية والأخطاء التي يتعين تلافيها للظفر بالبيت الأبيض. هذه المواصفات وغيرها هي ما يتطرق له كتاب "المرشح... ماذا يتطلب الأمر لدخول البيت الأبيض والبقاء فيه"، لمؤلفه "صامويل بوبكين"، والذي يحاول المؤلف تسليط الضوء على مواصفات المرشح الناجح من خلال دراسة الحملات الانتخابية السابقة، واستخلاص الدروس والعبر. ويهتم الكتاب بتفنيد مقولة تشرشيل الشهيرة بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، سواء في السياسية أو الحرب. فهذه الفكرة التي تحمل في طياتها نوعاً من القدرية، تخالف قناعة المؤلف الذي يرى أن الانتصار إذا كان محسوماً في الحروب التقليدية، فإنه ليس كذلك في عالم السياسة والتنافس على السلطة، إذ تظل النتيجة بعيدة عن الحسم واليقين، بحيث تلعب أمزجة الناس وأهواء الناخبين، بالإضافة إلى الأحداث الخارجية والتطورات الموضوعية، دوراً مهماً في تحديد النتيجة. وبالنسبة للكاتب، يكتسي المرشح المثالي جملةً من المواصفات التقليدية التي تفتح له الأبواب وتبوئه الصدارة؛ منها انحداره من عائلة كبيرة ليس بالمفهوم الاجتماعي، ولكن بالمعنى السياسي، إذ يتعين على المرشح أن يكون سليل حزب سياسي عريق، أو منتم إلى حساسية اجتماعية معينة، كأن يكون ناشطاً في المجتمع المدني كحال أوباما مثلا. ولابد للمرشح من تبني مقاربة تجعله أكثر قرباً لمعظم الأميركيين، لا يميل إلى الطبقات العليا فيخسر شعبيته وتواضعه، ولا ينحدر إلى ممارسات وضيعة يكرهها الأميركيون. أما الصفة الثانية فتتمثل في القدرة على الإدارة في مجال عمل معين، سواء القطاع الخاص (من شركات وغيرها)، أو مناصب عامة في الكونجرس أو الدوائر الحكومية المختلفة. ويستحسن أن يكون المرشح أحد قادة الشركات الكبرى المشرفة على إدارة آلاف الموظفين. ولأنه لا أحد من المرشحين يستطيع أداء كل الأدوار السالفة والتحلي بجميع المواصفات، فإنه غالباً ما يركز المرشح على واحدة منها، محاولا إبراز نقاط قوته وإخفاء تلك التي قد تلعب ضده في السباق الانتخابي. فأوباما مثلا ركّز في حملته الانتخابية السابقة التي قادته إلى البيت الأبيض، على موضوع التغيير والقرب من المجتمع، مستفيداً من تجربته كناشط اجتماعي وعضو في الكونجرس. ورغم خبرته المتواضعة في الإدارة والمناصب العامة، فقد استطاع صرف انتباه الأميركيين إلى ما يستطيع فعله مستقبلا وليس ما أنجزه في الماضي. هذا بالإضافة إلى قدراته على الخطابة وأسر الناخب الأميركي وضمان صوته. وبالعكس من ذلك، يحاول رومني خلال حملته الانتخابية الاستفادة من خبرته كرجل أعمال ناجح قادر على إدارة شركة كبيرة بتعقيداتها المختلفة، هذا بالإضافة إلى التزامه بالخط الأيديولوجي للحزب الجمهوري الذي يميل تقليدياً إلى خفض الضرائب وتقليل الإنفاق وتشجيع المبادرة الحرة ورفض تدخل الحكومة الفدرالية في الاقتصاد. بيد أن ما يعتبره رومني نقاط قوة، يراها آخرون عكس ذلك، لاسيما حين يصورون تجربة القطاع الخاص كنوع من مص دماء الأميركيين، بل زاد الطين بلة عندما تبين أن شركة رومني قامت بترحيل بعض عملياتها الإنتاجية إلى الخارج. ويركز المؤلف على الحملة السابقة لهيلاري كلينتون ضد أوباما، فهي وإن كانت تتوفر على مواصفات مميزة تؤهلها لتولي الرئاسة، مثل انحدارها من عائلة سياسية، فإنها فشلت في توظيف هذا المعطى الذي تحول إلى وبال على حملتها. ويمضي الكاتب محللا حملتها الانتخابية مشيراً إلى هفواتها، فقد فشلت كلينتون في الاقتراب من الأميركيين كما فعل أوباما، وبدلا من تبني خطاب سياسي مختلف، تعاملت مع الأمر كما لو أنها رئيسة تقود حملتها من المكتب البيضاوي وليس من خارجه، بينما سار أوباما في طريق مختلف وروج لنفسه باعتباره القادم الجديد الذي يحمل تطلعات الأميركيين ويعكس رغبتهم في التغيير. ومهما تكن التصريحات والسياسات المعلنة خلال الفترة الانتخابية، يجادل الكاتب بأن المهم ليس الصدق بقدر ما هو انتهاج التكتيك الجيد وإحراج الخصم لتتحول الحملات الانتخابية إلى حروب تخوضها جيوش من المستشارين والاستراتيجيين الذين يتولون رسم الخطط والإيقاع بالخصم. زهير الكساب ------- الكتاب: المرشح... ماذا يتطلب الأمر لدخول البيت الأبيض والبقاء فيه المؤلف: صامويل بوبكين الناشر: جامعة أوكسفورد تاريخ النشر: 2012