أدى ظهور الصحافة الإلكترونية وانتشارها الهائل، والقدرات الكبيرة التي وفّرتها، إلى تطور كبير في المفاهيم الصحفية وأساليب الكتابة وفنيات التصميم والنشر... مما يتطلب فهمها بطريقة علمية تساهم في تطوير هذا الصنف من الصحافة، لاسيما في العالم العربي. وذلك ما يحاوله كتاب "الصحافة الإلكترونية... المفهوم والخصائص والانعكاسات"، لمؤلفه الشفيع عمر حسنين، والذي يناقش فيه مفهوم الصحافة الإلكترونية ونشأتها، وفئاتها المتنوعة واتجاهاتها، ثم خصائصها والخدمات التي توفرها. كما يتناول منهجيات التحرير الإلكتروني، والأساليب الفنية والتقنية التي يتطلبها، وأهم انعكاسات الصحافة الإلكترونية على الصحافة بصفة عامة، وعلى الصحافة التقليدية الورقية بصفة خاصة، وما أحدثته من تغييرات في أضلاع العملية الصحافية؛ أي القارئ، ووسيلة النشر، والخبر الصحفي، والصحافي العامل، ومصادر الأخبار، وفي مهنة الصحافة ذاتها. وقبل ذلك يستعرض المؤلف، وهو إعلامي عمل في أكثر من مؤسسة صحفية عربية وباحث في مجال الصحافة الإلكترونية، عدةَ مفاهيم وتعريفات للصحافة الإلكترونية، ليستخلص من ذلك تحديداً للصحافة الإلكترونية يرى أنها إحدى وسيلة نشر تستفيد من تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وتجمع بين تكنولوجيا المعلومات والاتصال والتحرير الصحفي المعروف، وتتخذ من شبكة الإنترنت العالمية مكاناً للنشر والبث، حيث تعد شبكة الإنترنت بمثابة موزع للصحيفة الإلكترونية، والتي تستفيد أيضاً من القدرات التقنية الجديدة في مجال التصوير والتسجيل والأرشفة... بما يساهم في تطوير مفهوم التحرير الإلكتروني. أما عن نشأة الصحافة الإلكترونية فهي، ووفقاً للمؤلف، تعود إلى بداية ظهور الإنترنت في مطلع الستينيات من القرن الماضي عندما أنشأت وزارة الدفاع الأميركية "وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة"، وتطور الأمر إلى التواصل إلكترونياً بين الجامعات الأميركية، ثم توسعت الشبكة بوصولها إلى أكبر نطاق على مستوى العالم، فظهر النشر الإلكتروني الذي تطورت معه الصحافة الإلكترونية. ومع مرور الوقت أصبحت شبكة الإنترنت تضم نظم توزيع خادمة، كما أتاحت بيئة تصميمية (جرافيكية) مميزة تشتمل على النص المعزز (الفائق)، والصوت، والمرئيات المتحركة، إضافة إلى برامج "الجافا" و"الكوكيز"... ما جعلها بيئة اتصال تفاعلي حاضنة للصحافة الإلكترونية. وهكذا بفضل ثورة الاتصالات الحديثة أصبحت الصحافة الإلكترونية وسيلة اتصال تتدفق بالمعلومات والأخبار والصور والآراء، والتي يتم تعديل محتوياتها باستمرار، مما يتيح لها تحقيق سبق خبري على وسائل الإعلام الأخرى، ويمكّنها من إرضاء مستويات مختلفة من القراء. فالصحافة الإلكترونية التفاعلية تتميز بخدمات المراسلة عبر الموقع، والتعليق على الأخبار والمقالات، فضلا عن خدمات البريد الإلكتروني. وإلى ذلك، فمما يحسب للصحافة الإلكترونية نجاحها في تطبيق شعار حرية التعبير، وحرية تدفق المعلومات والأنباء، وتحررها من ضيق المساحات التحريرية بالنسبة للصحافة الورقية، وضيق الوقت بالنسبة للنشرات الإذاعية والتلفزيونية. ومن ذلك يستنتج المؤلف عشرة خصائص تميز الصحافة الإلكترونية: التفاعلية، التنوع، المرونة، العالمية، قلة التكلفة، محدودية مصادر الدخل، نظام الإحصاء والمتابعة، حفظ الأرشيف، شمولية المعلومات، وفورية النشر. ووفقاً لسمات الصحافة الإلكترونية والإعلام الجديد، فإن التحرير الإلكتروني (الكتابة للإنترنت)، لابد أن يتصف بخصائص في مقدمتها الاعتماد على التعبير الواضح والأفكار الجيدة، كما يجب أن يكون ذا محتوى سريع التحميل، وسهل القراءة والتصفح، إلى جانب سهولة استخدام محركات البحث في الفهرست والبحث. وكما يوضح الكتاب فإن ظهور الصحافة الإلكترونية والتفاف الناس حولها بسرعة، ونجاحها في نقل الأحداث، أحدث انعكاسات وتطورات كبيرة على العملية الصحفية برمتها؛ حيث أصبح الخبر الإلكتروني مكتوباً بطريقة مختلفة، ومرفقاً بملفات لا تدع مجالا للتشكيك في مصداقيته. كما أحدثت الصحافة الإلكترونية انقلاباً كبيراً في مصادر الحصول على المعلومات والأخبار، خاصة مع ظهور "الصحفي المواطن" الذي قدم للصحافة الإلكترونية إمكانية التغطية في كل المجالات وجميع الأوقات والأمكنة. كما أصبح على الصحفي الإلكتروني أن يهتم كثيراً بتطوره الثقافي والمهني والتقني، بما يقربه من قرائه ويجعله أكثر ارتباطاً بالصحيفة الإلكترونية. وهكذا فقد أحدثت الصحافة الإلكترونية تحولا عميقاً يلامس حدود الثورة أو الانقلاب، بما فرضته من تأثيرات واسعة على مختلف أركان العملية الصحفية التقليدية في الإعلام الجماهيري. محمد ولد المنى -------- الكتاب: الصحافة الإلكترونية... المفهوم والخصائص والانعكاسات المؤلف: الشفيع عمر حسنين الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012