تشهد الحياة السياسية في مصر مفارقة تتعلق بالديمقراطية، ففي الوقت الذي ركز فيه الرئيس مرسي في خطابه للشعب في ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، على تعثرها في إنجاز هدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة، تتعالى أصوات متنوعة الاتجاهات تحذر من احتمال فشل ثورة يناير في تحقيق نفس الهدف. المفارقة تأتي نتيجة لخوف أصحاب الأصوات اليسارية والليبرالية من أن يكون وصول "الإخوان المسلمون" إلى سدة الرئاسة وأغلبية البرلمان بداية لنهاية التجربة الديمقراطية الجديدة. المصطلح المستخدم هو أن "الإخوان" يمكن في حالة تمكنهم من مفاصل المجتمع أن يسقطوا سلم الديمقراطية وصندوق الانتخابات الذي صعدوا عليه إلى الحكم، حتى لا يصعد عليه غيرهم. ربما كان هذا الخوف من جانب اليساريين والليبراليين هو الذي يفسر ارتياحهم لحالة الصراع القائمة بين "الإخوان" ممثلين بالرئيس وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهو صراع يعني أن المجلس العسكري ما زال يمتلك مقاليد السلطة التشريعية بعد حل مجلس الشعب، وأن في مقدوره، طبقاً للإعلان الدستوري المكمل، أن يعطل القوانين التي يقترحها الرئيس، كما أن في مقدوره أن يعترض على مشروع الدستور إذا وجد فيه ما يخالف قيم الحياة المصرية. كثيرون يخشون أن ينتهي صراع "الإخوان" وقادة الجيش إلى إحدى نتيجتين: الأولى أن يقرر الطرفان تسوية الخلافات والمصالح بينهما عن طريق تقاسم كعكة السلطة وطبق النفوذ والثروة الوطنية، على حساب الديمقراطية، وتوصف هذه النتيجة بأنها تحالف الاستبداد العسكري مع الاستبداد الديني. أما الثانية فهي أن يقرر الجنرالات أنه لا أمل في إيجاد صيغة للتحالف والتوازن مع "الإخوان"، فيقرروا حسم الصراع بإنهاء التجربة الحالية وإدخال البلاد في مرحلة انتقالية تبدأ من الصفر لعدة سنوات أخرى. ما أتمناه شخصياً هو أن يدخل الجنرالات و"الإخوان" في حالة حوار على أساس حماية التجربة الديمقراطية ومنع استئثار أي طرف بالسيطرة على الدولة العميقة ومؤسساتها. أعتقد أن مسألة تشكيل الحكومة الجديدة يمكن أن تصبح محوراً رئيسياً لهذا الحوار بحيث تحصل مصر على حكومة لا يسيطر عليها لون أيديولوجي واحد، وبحيث يزيد فيها عدد الوزراء التكنوقراط القادرين على تكوين رؤية متقدمة لأعمال وزاراتهم وتنفيذها في إطار الرؤية الشاملة للحكومة حتى لو كانوا منتمين إلى أحزاب وتيارات سياسية، المقصود هنا أن يتم اختيار الوزير ليس فقط على أساس انتمائه السياسي ومكانته في حزبه، بل أيضاً على أساس نبوغه في تخصصه وخبراته اللازمة لإدارة الوزارة. وقد أشارت تسريبات خبرية في الأيام الأخيرة إلى أن سبب تأخر الرئيس في إعلان حكومته الجديدة، قبل تكليف الدكتور هشام قنديل، يرجع إلى نوعين من الضغط، الأول قادم من جماعة "الإخوان" التي تريد أن يكون رئيس الحكومة إخوانياً، أما الضغط الثاني فقادم من المجلس العسكري الذي أعلن رئيسه أن مصر لن تكون حكراً على تيار معين، وهو ضغط يدفع الرئيس في الاتجاه الذي أعلنه بنفسه قبل الانتخابات، وهو اتجاه تكوين حكومة ائتلافية وطنية من الأحزاب والقوى المتنوعة. أعتقد أن هذه المسألة بالذات ستكشف لنا ما إذا كانت مصر ستمضي في اتجاه ما حدث بعد ثورة يوليو عندما تزايدت حدة الصراع بين العسكر و"الإخوان"، أم أنها ستمضي في الاتجاه الذي أتمناه، وهو اتجاه التوافق الوطني على أساس المشاركة السياسية لتعميق التجربة الديمقراطية.