في العشرين من يوليو الحالي دخل "إيجان هولمز"، طالب البيولوجيا العصبية من سان دييجو، إلى قاعة سينما مكتظة بالرواد في مدينة "أورورا" بولاية كولورادو، وهو يرتدي ملابس شبه عسكرية ويضع على وجهه قناع غاز، ويحمل ثلاث بنادق. وقام "هولمز" أولاً من خلال استخدام بندقية خرطوش وبندقية هجومية نصف أوتوماتيكية بإطلاق النار على المشاهدين في القاعة من دون تمييز، إلى أن تعطلت البندقية فسحب مسدساً وواصل إطلاق النار منه. وقد نتج عن تلك المذبحة المروعة قتل 12 شخصاً وجرح58 آخرين، وهو أكبر عدد من الضحايا يسقط نتيجة حادث إطلاق نار عشوائي في التاريخ الأميركي. وقام الرئيس باراك أوباما والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة ميت رومني بتعليق حملتيهما الانتخابيتين عدة أيام حتى يتسنى لهما مشاركة أهالي الضحايا أحزانهم، خصوصاً وأن كولورادو، كما هو معروف، واحدة من الولايات المهمة التي سوف تلعب دوراً حاسماً في تحديد الفائز في الانتخابات المقبلة. ومن المتوقع خلال الأيام القادمة سماع نداءات من الليبراليين، وعُمد المدن الكبيرة، ورؤساء الشرطة، وعدد قليل من أعضاء الكونجرس الشجعان، تنادي بتشديد القيود على شراء واقتناء الأسلحة النارية، لكن ليس من المتوقع سماع الكثير من أوباما أو رومني حول هذا الأمر، إذ أنهما يعرفان جيداً أن هذا الموضوع كفيل بإخراج أي منهما عن مسار حملته الحالي، والزج به في مشكلات مع لوبي الأسلحة النارية القوي، ومع الاتحاد الوطني للبنادق الذي يضم أربعة ملايين عضو، هما في غنى عنها خصوصاً في هذه اللحظة الحرجة من الحملة الانتخابية. وهذه الاتحادات والجماعات تعارض بشراسة فرض أي قيود إضافية تحول بين المواطنين الملتزمين وبين شراء الأسلحة والذخائر من محال بيع الأسلحة، ومن معارض السلاح، وعن طريق الإنترنت. وأوباما على وجه الخصوص يعلم علم اليقين مدى الخطر الذي يمكن أن يتعرض له في ولاية مثل كولورادو تعتبر من الولايات المتأرجحة، إذا ما تدخل في هذا الأمر، وحاول فرض المزيد من القيود على اقتناء السلاح. ومن المعروف أن حمل السلاح من العادات المتجذرة لدى سكان كولورادو الذين يتشككون -شأنهم في ذلك شأن غيرهم من سكان الولايات الواقعة في الغرب الأميركي- في أي قوانين تحد من حرية اختياراتهم (حريتهم)، التي يتوافر لديهم قدر منها يتجاوز ما هو متوافر لدى ولايات أخرى. إذ لديهم مثلا متاجر للخمور يتم الدخول إليها بواسطة السيارات، وهم قادرون على شراء الماريجوانا الطبية من دون مشكلات، وليس لدى ولايتهم قانون يفرض على راكبي الدراجات النارية ارتداء خوذات واقية. أما رومني فيجب عليه هو الآخر أن يكون حذراً قبل أن يقدم على المطالبة بتعديل القوانين القائمة لشراء الأسلحة واقتنائها، لكن لسبب آخر يختلف عن السبب الذي يدعو أوباما لذلك. إذ أنه حاول بشكل عام أن ينأى بنفسه عن المواقف المعتدلة التي كان يتبناها في التسعينيات، والتي لم تساعده كثيراً على تعزيز مستقبله السياسي. وموضوع السلاح بالذات من الموضوعات الخطرة بالنسبة له، خصوصاً وأنه أثناء توليه منصب حاكم ولاية ماساشوستس، وقع على مشروع قانون ينص على فرض قيود على بيع المسدسات والبنادق في خطوة يتبرأ منها الآن. فرومني بالتالي مطالب بأن يظهر أمام مؤيديه الأساسيين وكأنه ما زال يدعم قانون البندقية، وفي نفس الوقت يواجه خطراً كبيراً يتمثل في احتمال النظر إليه على أنه شخص غير حساس لا يأبه بمشاعر أهالي الضحايا، وهي نظرة سوف تدعم نظرة أخرى ليست في صالحه هي الأخرى، وخلاصتها أنه يبدو كشخص آلي أو "روبوتي". وعلاوة على ذلك فإن أوباما لو قبل بالمخاطر السياسية التي ينطوي عليها الدفع باتجاه استصدار قانون جديد للأسلحة، فإن رومني سوف يصبح في وضع بالغ الحرج في مثل هذه الحالة. منتقدو قانون الأسلحة الحالي يقولون إنه من قبيل الجنون أن يتمكن المواطنون الذين يستطيعون اجتياز أبسط اختبار للتأكد من الشخصية والخلفية الاجتماعية، من شراء الأسلحة، حتى من تلك النوعيات المخصصة لقتل جنود الأعداء في الحروب والمعارك وليس لقتل اللصوص والمختطفين ومقتحمي المحلات الكبيرة، وأخذ روادها كرهائن. ويقول هؤلاء إن حقيقة كون الجاني في مذبحة كولورادو الأخيرة قد تمكن عن طريق الإنترنت من الترتيب لشراء 6000 طلقة ذخيرة، وعدة بنادق مختلفة الأنواع والأحجام، وجهاز تكتيكي، وتوصيل كل ذلك لشقته من دون أن يثير شك أي أحد، أو يقرع أجراس الإنذار لدى أية جهة، لهو دليل واضح على مدى العوار الذي يكتنف قانون الأسلحة بصورته الحالية. لكن ما المطلوب حتى يمكن تغيير هذا الوضع؟ ربما المزيد من قصص الرعب، وربما رئيس وكونجرس يمتلكان عدداً من الأصوات يمكنهما من التصدي للوبي الأسلحة، والاتحاد الوطني للبنادق، بالإضافة بالطبع لتأييد الجمهور العام. ولعل تشديد الإجراءات التي يمكن من خلالها شراء الأسلحة الأكثر خطورة، يمكن أن يكسب قدراً من دعم الجمهور العام أكثر مما يمكن أن يكسبه فرض حظر شامل على شراء واقتناء مثل هذه النوعية من الأسلحة. ومثل هذا الأمر، على أي حال، لن يتم إلا بعد الانتخابات، هذا إذا ما تم في الأساس. ولكن الأمر المؤكد مع ذلك هو أن الولايات المتحدة ستقوم في نهاية المطاف بإجراء الإصلاح اللازم على هذه القوانين، إن عاجلا أو آجلا، تماماً مثلما ستوافق على السياسة الصحية المناسبة، وعلى سياسة الطاقة التي تركز أكثر على الكفاءة وعلى الموارد القابلة للتجدد. وكل تلك قضايا صعبة، سوف يفضل معظم السياسيين تجاهلها إذا ما كانت ستؤثر على مستقبلهم السياسي، ولكنها (أي تلك القضايا) قادرة مع ذلك على إعادة فرض نفسها مرة أخرى، والعودة لدائرة الضوء.