قضيتُ أسبوعين في مصر! لن أقول إن الأوضاع مثالية؛ أو على مستوى ما أمّلهُ شبابُ الثورة. ولن أقول إن مصر بدت أجمل أو أحدث أو أَأمَن بعد الثورة. ولن أقول إنني "أخذت راحتي" في التجوال والتسوق، كما هي عادة العرب عندما يزورون مصر. ولئن تخلصت البلاد من حكم استبدادي ومحاضن فساد متعددة ساهم فيها رموز النظام السابق، فإن الشارع المصري اليوم ينوءُ بتبعات حكم "الشارع الاستبدادي"! لا أقصد هنا النظام الحالي، بل أقصد مئات الأفراد الذين نَصّبوا أنفسهم قضاةً وتنفيذيين في الشوارع. حيث يغلقون هذا الشارع، ويوقفون من يشاؤون، ويحتلون الشوارع المهمة في البلد، ويتجاوزون على أملاك الدولة والمواطنين، ممثلة في الأرصفة وشوارع السير، حيث يقيمون عليها المحلات العشوائية لبيع البضائع الرخصية. ناهيك عن "احتلال" ميدان التحرير، وتحويله إلى مقاهٍ من الدرجة العاشرة، و"احتلال" كوبري 6 أكتوبر وتحويله أيضاً إلى مقاه (Take away)، ما يحرم السائح والمواطن المصري من نعمة التجوال المريح والاستمتاع بالمناظر الليلية الجميلة. كما أن المحلات (العشوائية) في الشوارع المهمة تحرم التجار من وصول المشترين، وتضر بحركة انسياب المرور وتعطل مصالح الناس. أقول إن الشارع المصري منقسم إلى درجة كبيرة! وقد لا تصل أشكال ذلك الانقسام إلى الإعلام -من كثرة الأحداث وتنوعها- إلا ما يخصُّ المواجهات القضائية أو التواجه بين الرئاسة والجيش أو إعلان "الإخوان" لـ"الحرب على الدستورية". إن الانقسام نلحظه في حديث رجل الشارع الذي انخفضت إيراداته بسبب "شلل" البلاد في نواح عدة. كما نلحظه في المظاهرات "المُرتبة" حيث يحتل ميدان التحرير مئات من سكان المحافظات الأخرى، يتم جلبهم في باصات عدة، ويُمنحون مبالغ مالية. أي أن المتظاهر لا يأتي عفوياً كما كان عليه الوضع أيام الثورة "المسروقة"! كما نلحظ الانقسام في الصحافة المصرية وموقف المثقفين الليبراليين من حكم "الإخوان"! وإليكم بعضاً من العناوين التي استوقفتني: - قرار مرسي وأدٌ للديمقراطية. - "العسكري" أخطأ.. ومرسي صَحح. - الأحزاب المدنية ترفض قرار عودة "المجلس"، وتعتبره إهداراً لدولة القانون. - "الإخوان" يستبعدون الصدام مع "الأعلى للقوات المسلحة". - عمال إسمنت طرة والمعاقون وطالبو العمل والسكن يهتفون بسقوط الحكم. - حقوقيون.. قرار الرئيس بعودة البرلمان صراع سياسي على السلطة. - شهادات مفزعة للضحايا عن التعذيب بثقب الأقدام بالأسياخ الحديدية. - "التحرير" يحتشد لدعم مرسي و"المنصة" تستعد للرد. - الأحزاب الليبرالية ونواب مستقلون يقاطعون جلسة "الشعب". - عاشور: ليس من حق رئيس الجمهورية إلغاء حكم الدستورية العليا. - الأساتذة يمهلون مرسي 48 ساعة لتعديل الرواتب. - حازم أبو إسماعيل، الأب الروحي لشباب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". - مرسي والبلطجية.. سيناريو واشنطن لتدمير مصر. - شبكة من عائلات "البزنس" الإخوانية التي تحكم قصر الرئاسة. - "السقف المرفوع".. المعركة المكتومة بين مرسي وطنطاوي. - "الإخوان المسيحيون"..نطالب بإسقاط مرسي، و"الإخوان المسلمون": دعوة للفتنة. - المشير طنطاوي: مصر تمر بمنعطف صعب، و"لن ننحني". - المشير: مصر لكل المصريين.. ولن نسمح أن تكون لجماعة واحدة. إن مَن يقرأ هذه العناوين، ناهيك عن مقالات الرأي التي تتشعب وتتحمس إلى درجة كبيرة، يدرك صعوبة التحول الديمقراطي في مصر، ويدرك أيضاً مدى تشدد الأطراف "المتنازعة" حول أحقيتها في مصر. ولكل مبرراته ونظراته وآراؤه فيما يخص الوضع العام. ومصر كما نعلم بلد (الفقه القانوني)، ولذلك فإن كل جماعة لها مبرراتها فيما يتعلق بقرارات الرئيس، وخصوصاً في ظل تعديل بعض القوانين التي "حجّمت" من صلاحيات الرئيس، عما كان الوضع عليه أيام الحكم السابق. إن تحوّل الرئيس مرسي من عقلية "الحزب" أو الجماعة إلى عقلية "الدولة" أمر له الكثير من التحديات والاستحقاقات. كما أن مواجهة الرئاسة مع "الدستورية" تعتبر من أهم ما واجه الرئيس مرسي خلال فترة حكمه القصيرة الماضية. كما أن ما يُفهم من كلام المشير طنطاوي يأخذ تفسيرات عديدة. ناهيك عن موقف المثقفين وأصحاب الرأي والاقتصاد والتنمية، والرؤى المتعلقة ببسط سلطة الدولة وتحريك عجلة الاقتصاد، وعودة العاطلين إلى أعمالهم، وإزالة آ ثار الفساد الذي استمر عشرات السنين. وتهيئة مصر للعودة إلى مكانتها الطبيعية في العمق العربي. كل ذلك له استحقاقات في مدى قدرة الدولة على تهدئة الشارع، وهو أمر يحتاج إلى "حزم". ذلك أن رضا 80 مليون مصري ليس بالأمر السهل.