معظم الناس لا يحركون ساكناً عند إلقاء بقايا الطعام أو القشور أو نوى الفواكه أو الفتات أو الأغلفة الورقية وغيرها. نحن ندرك أن المواد المعدنية والبلاستيكية والزجاجية... يمكن إعادة تدويرها واستخدامها مجدداً، لكن ماذا عن الفضلات العضوية، مثل بقايا الطعام والفاكهة والخضار والنباتات... إلى آخره؟ وما القيمة التي تمثلها هذه الفضلات أو البقايا، مادياً وبيئياً؟ وكيف يمكن الاستفادة منها على أوجه أخرى؟ وهل يمكن الاستفادة من الفضلات العضوية في توفير وقود لطائرة نفاثة على سبيل المثال؟ أو مثلاً في إنتاج شامبو آمن ولا يسبب ضرراً للبيئة؟ الحقيقة أن يمكن بالفعل تكسير المخلفات العضوية والسليلوزية، وكثير من البقايا البلدية الصلبة، مثل المواد الغذائية والورقية، وتحويلها إلى جزيئاتها الأساسية، ومن ثم توفير مورد هام من السكريات التي يمكن استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي والمواد الكيمياوية الحيوية التي يمكن بدورها أن تحل محل الصناعات البتروكيماوية التقليدية التي نعتمد عليها بشكل كبير في توليد الطاقة وفي استخدامات صناعية وميكانيكية مختلفة. وفي أبوظبي وحدها توجد إمكانات كبيرة لمعالجة هذه النفايات العضوية والاستفادة منها. فسكان العاصمة ينتجون أكثر من 2000 طن من القمامة يومياً، معظمها تقريباً تذهب إلى مكب النفايات، ويؤدي ذلك بدوره إلى مخاطر شتى بسبب تلوث التربة والمياه الجوفية، علاوة على أن استمرار استخدام الأرض كمكب للنفايات يضيع فرصة استغلالها بشكل جيد وأكثر إنتاجية. إن تحويل تلك النفايات والمخلفات اليومية إلى وقود حيوي أو مشتقات كيميائية حيوية، سوف يجنبنا خسارة بعض الأراضي المهمة، كما يتيح لنا في الوقت نفسه إنتاج طاقة متجدد أو موارد جديدة يمكن استغلالها أو بيعها. ومن ناحية أخرى، فإن جمع النفايات وفرزها ومعالجتها، يمثل عملية مكلفة نسبياً ومعقدة، حيث تتطلب إنشاء بنية أساسية على رأسها إيجاد مركز يجري فيه فرز النفايات المخلوطة -يُفضَّل في العادة أن يكون بالقرب من نقطة الإرسال التي تتم من خلال صناديق منفصلة- ومن ثم القيام بمعالجتها وفق طرق عملية، سهلة وفعالة، من حيث التكلفة، وتكسيرها بسرعة حتى يمكن الاستفادة من الطاقة الكامنة التي تحتوي عليها. ونقوم في معهد مصدر حالياً ببحث ودراسة هذه المسألة الأخيرة تحديداً، ونتطلع إلى مدينة مصدر كنموذج لإمارة أبوظبي بشكل شامل. وفي هذا الخصوص سوف نتولى تقييم التكنولوجيا المتاحة، والوسائل المتوفرة، والجدوى الاقتصادية المتوخاة، إضافة إلى عمليات تحويل الكتلة الحيوية إلى غازات حيوية ومواد كيماوية حيوية. ومن ثم يمكن استخدام هذه المعلومات لإعداد استراتيجية فعّالة وواقعية ومفصلة لمدينة أبوظبي وغيرها من المناطق الحضرية المماثلة. وفي هذا الخصوص فإن إحدى الطرق التي نعكف على بحثها هي استخدام الأنزيمات في التفاعل الكيميائي مع مختلف مكونات الفضلات المنزلية قبل عملية المعالجة، الأمر الذي قد يساهم في توفير الكثير من الوقت والمال. هذا وتعمل الأنزيمات على تسييل الجزء العضوي من النفايات، في حين أن النفايات اللاعضوية، مثل المواد البلاستيكية أو المعدنية، تبقى على حالتها الصلبة. ويمكن تصريف المواد السائلة بسهولة لاستخدامها كغذاء للأحياء الدقيقة، ومن ثم إنتاج وقود حيوي أو مواد كيميائية حيوية. ويمكن استغلال تلك الأحياء الدقيقة المختلفة في إنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات؛ مثل الميثان وهو غاز حيوي يمكن استخدامه في توليد الحرارة والكهرباء أو وقود السيارات مثل الايثانول الحيوي أو البيوتانول. هذا بالإضافة إلى المواد الكيميائية الأخرى غير المضرة بالبيئة، والتي يمكن أن تكون بدائل أخرى للمواد البتروكيماوية في كل شيء من مواد التجميل إلى إنتاج البوليمرات (مركب كيميائي متعدد الأجزاء). ويقدر حجم السوق العالمي للبتروكيماويات بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار أميركي في السنة، وهو سوق ينمو ويتوسع باستمرار. وبما أن الوقود الأحفوري، وهو الذي يشمل كلا من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، أصبح أكثر تكلفة في الاستخراج من حيث التكلفة المادية والأضرار بالبيئة، فإن حاجة البشرية إلى بدائل رخيصة وآمنة سوف تصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ولا شك أن الأبحاث العلمية، كهذه التي نقوم بإجرائها في معهد مصدر، سوف تساهم في تزويد أبوظبي بمنتجات تصدير قيّمة، وفي الوقت نفسه سوف تساهم أيضاً في حل مشكلة التخلص من النفايات، إضافة إلى الإسهام في دعم عجلة التنمية الاقتصادية في الإمارة. وسوف يكون للوقود الحيوي والمواد الكيماوية الحيوية بالتأكيد دور أكبر في السيطرة على مستويات انبعاثات الكربون في المستقبل. كما تمثل النفايات بالنسبة لنا مورداً حيوياً لا يسعنا التفريط فيه. وسوف تساهم المشاريع البحثية، مثل مشاريعنا، في ضمان وجود بدائل خضراء مجدية اقتصادياً وبيئياً وجاهزة للتطبيق عند الحاجة إليها. -------- الدكتورة ميتي هيديجارد تومسون أستاذ مساعد في الهندسة الكيميائية بمعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا