بينما يضيق المجتمع الدولي الخناق على نظام بشار الأسد الذي فقد شرعية الحكم، لا يبدو أن روسيا بصدد مسايرة هذا التوجه السياسي، وهذه الحالة الروسية تذكرنا بحرب تحرير الكويت، فعندما كان هناك حشد دولي لتحرير الكويت وقبيل البدء في العمليات العسكرية لتحرير الكويت، أتت موسكو على طرح فرصة سياسية تحملها مبنية على أن هناك حلاً سلمياً للأزمة، لكن كانت الحرب أصدق من رُسل موسكو آنذاك. فروسيا التي تحاول إرجاع مجد النفوذ السوفييتي وكبح النفوذ الأميركي في مناطق معينة من العالم، تراهن كما هي بكين على النظام السوري، كأنما تراهن على جواد خاسر في العلاقات الدولية المبنية على علاقات تعكس كبح النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط. موسكو بهذا التوجه تثير تساؤلات عدة أهمها أبعاد الموقف الروسي من دعم بقاء النظام "البعثي" السوري وهو ينهار يوماً بعد يوم! كما يبدو أن موسكو لا تحمل تصوراً تخيلياً لتغيير لعبة العلاقات والمصالح ومناطق النفوذ التي بدأت تسقط من يدها، مقارنةً بواشنطن وموقفها حيال التغير الكبير في المنطقة وعلى سيبل المثال وصول "الإخوان" إلى سدة حكم مصر اليوم. يبدو جلياً أن موسكو ودعمها لنظام الأسد نابع من أنها تدعم جدارها في الشرق الأوسط المكون من سوريا في نظام "البعث" والملالي في طهران، أي أن موسكو بذلك تحاول حماية مصالحها الجيوسياسية والتجارية الكبيرة هناك. رغم ذلك فإن روسيا ربما لها أبعاد أخرى، منها أن موسكو لا ترغب في بروز قوى إقليمية كتركيا في المنطقة عبر الأزمة السورية والتغيرات التي أطاحت بعض الأنظمة العربية. وهذا البعد يدعمهُ سلسة أحداث، فبعد يوم واحد من إعلان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن القوات السورية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وبعد إعلان تركيا أنها تدرس فرض منطقة عازلة على طول حدودها لحماية السوريين، أتى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يدعو لمزيد من الجهود للتعامل مع دمشق. كما أن "لافروف" عارض فكرة فرض حظر على بيع الأسلحة لسوريا معللاً ذلك بأنه من غير المنصف في حال تسليح المعارضة، يعتقد الوزير أيضاً بأن جماعات المعارضة المسلحة، إنما تستفز السلطات السورية، ولماذا موسكو ضد بروز قوى في المنطقة كأنقرة؟ حقيقة موسكو كما الدول الكبرى لا ترغب بأن تكون المنطقة محكومة بدول من المنطقة لها وزنها السياسي والعسكري والاقتصادي، والتي وإن وجدت سوف تحول دون تعاظم دور الدول العظمى والكبرى في المنطقة، والتي لها مكاسب سياسية واقتصادية. كما أن سقوط "البعث" السوري ربما يضعف النظام الإيراني. وهناك بعد آخر، فموسكو من الداخل تعاني من نفوذ حزب "روسيا المتحدة" وتفرده بالسلطة، وما يواجه من معارضة داخلية، فربما موقف روسيا حيال التغير الحادث في سوريا محكوم بعدم جعل ذلك محفزاً للمعارضة الروسية أو الجماعة الشيشانية. فعلى المستوى العالمي، بوتين يرغب في مزيد من الوقت لحزبهِ والذي لا بد وأن يلازم استقرار داخلي في روسيا، لكي ينجح مشروعه في مزاحمة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط والعالم، لا شك أنه يريد المزاحمة والنفوذ والقوة الأميركية عبر الاقتصاد من خلال صادرات النفط والغاز، وموسكو تريد الشرق الأوسط منطقة ملتهبة جراء عدم الاستقرار وربما اندلاع حروب جديدة فيها، حتى تقفز أسعار النفط عالياً فتجمع روسيا ماتحتاجه من العملة الصعبة، كما أنها تريد تسعير سعر الغاز في منظمة دولية تكون على غرار منظمة "أوبك" التي تحدد الأسعار إلى حد كبير عبر ما تنتجه، والذي ينعكس بدوره على الأسعار العالمية. من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، حيث تزايد القلق بين موسكو وواشنطن، فانتقال آسيا الوسطى من فلك السياسة الروسية إلى فلك السياسة الأميركية، حيث تمثل هذه المنطقة حلقة قوية من الصراع بين الطرفين، فهناك معلومات عن خلافات بين روسيا وطاجكستان حول مصير القاعدة العسكرية الروسية على الأراضي الطاجيكية، والتي تُشكل أكبر قاعدة عسكرية روسية خارج الأراضي الروسية، وهذا يزامن تقارب طاجكستان مع واشنطن. فالسياسات الأميركية الهادفة إلى الحد من تصاعد النفوذ الروسي دولياً تبدو ناجحة إذا علمنا بأن أوزبكستان قد قررت الانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة وفي مقدمتها روسيا. لماذا لا تتعامل موسكو كواشنطن في التغيرات التي أطاحت أنظمة عربية عبر التعاطي مع الواقع وما يفرضه، حيث هناك فرصة لإعادة المصالح المتبادلة بين الدول. وكذلك لماذا لاتراعي موسكو الرأي العام الدولي الذي فقدته من موقفها فيما يجري في سوريا والمجازر التي ترتكب فيها، هذا بالإضافة إلى موقفها ودورها وتعاونها مع إيران في مشروعها النووي، والذي يفقدها المصداقية في لعب دور يحفظ السلم الدولي حقيقةً، موسكو محاصرة من أفغانستان إلى ما سوف يحدث من نفوذ أميركي في آسيا الوسطى، كما أن روسيا كانت تحمل مشروعاً عسكرياً في سوريا كانت تتمنى منه ردع الغرب وواشنطن، وبذلك صرفت الكثير من الأموال للقواعد العسكرية والبنية التحتية السورية، كما أن مشروعها كان مبنياً على وجود عسكري روسي في سوريا يدعم بروز إيران كقوة في المنطقة معاديةً للسياسات الغربية، وهذا المشروع كبير جداً في أبعاده الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية، كما أنه يضم لبنان بـ"حزب الله" و"حماس" وهو قريب من إسرائيل جيوسياسياً، وكان لهذا المشروع أن يحاكي القواعد الأميركية التي ترغب في وضع القوة الروسية في حالة ردع متبادل. أجل إذا كانت أنقرة تعدُ خططاً لإطاحة النظام السوري، فإنها لا بد وأن تعلم أن موسكو مهددة بهدم حلمها في سوريا الذي أيقظهُ "الربيع العربي". عندما تراهن موسكو على جواد "الأسد"، فإنها تراهن على بقاء قوتها وتحقيق مشروعها العسكري والجيوسياسي في سوريا والذي يفترض به أن يدعم الطموح الروسي في إرجاع مكانتها العالمية. إن خسارة هذا الجواد المراهن عليه ليس خسارة الشعب السوري وسوريا المستقبل، بل خسارة مشروع روسي كبير، وعندما يسقط الجواد سينتقل الصراع بصورة كبيرة إلى آسيا الوسطى، وسيكون لطهران نصيب من هذا الصراع. حميد المنصوري كاتب ومحلل سياسي