لا أجمل من حميمية رمضان... ومن تجمع الأسرة على مائدة واحدة بعد عام تتكثف فيه الانشغالات وصعوبة اللقاء مع عائلتك، كأنه إجازة إجبارية عن الأعمال والمشاغل التي لا تنتهي. رمضان شهر الروح وتجلياتها والحبل الممتد بين قلب المرء وربه، كأنه فرصة ليتعلق بربه أكثر وليجدد إيمانه وقناعته، بأنه وحده القادر على الضر والمنفعة. ورغم كمية المسلسلات التي تضج بها الخطة البرامجية بكل القنوات من دون استشارة، فإن رائحة الدماء السورية، هي التي تغلب على كل الدراما التلفزيونية، فهناك عشرات الموتى يزفون إلى الجنة كل يوم ويكاد يكون رمضان فرصة ليزداد الرقم وتتحول الآلة العسكرية لوحش كاسر موتور عليه فقط أن يرى الدماء مراقة في كل الطرقات، فأي مزاج هذا الذي سيضحك مع عادل إمام في مسلسله، والموت هناك طبق يومي علينا أن نراه ونسمع دويه ونشم رائحة دخانه. وماذا عن شعب أعزل تخترق غرفة جلوس الأسرة قذائف تنهي اللقاء الجميل ليتحول إلى لقاء هناك في عالم آخر خال من الظلم والجريمة. كيف سنتابع مسابقات رمضان وأسئلتها والنفاق الدولي والكذب قد تجاوز كل الحدود، ولتتحول سوريا إلى ساحة صراع بين قوى عالمية، ليتكسب كل طرف بما يريد على حساب الأبرياء والأطفال ودماء بلد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه جميل. فالعالم متكالب على سوريا، والمصالح تكاد تكون رماحاً تغرس في أجساد بريئة ليظهر زيف ادعاءاتهم، وليكشف كم نحن أمة يتناهشها الجميع راكضين ضد أي فرصة لها لاستنشاق نسائم الحرية. لم يرحل الاستعمار، ذهب شكله الفج اللاإنساني، وارتدى اليوم ثوب المنظمات الدولية التي تحمي مصالح دول العالم الكبرى وتضطهد الصغار الذين يشكلون موقفاً استراتيجياً وثروات لا تحصى... مهمة هي سوريا، ومؤثرة وقادرة على أن تكون موقعاً تتكالب فيه الأمم. وكلما طالت المدة، وزادت الدماء في الشوارع تكشفت حقائق مخفية، وسقطت أقنعة وإيماءات وتحولت الحكاية إلى كابوس يقض مضجع الطغاة. وقدر الأطفال الذين يتوالون في قائمة الشهادة أن تكون أجسادهم الغضة فرصة لقراءة خبث من حولنا وجبروتهم ونظرتهم الاستعمارية الطامحة لمزيد من النفور. لا شهية لأطباق الوالدة الحنون هذا العام، إلى أن يتوقف شلال الدم الهادر هناك، شهية للاحتماء برب السماء ومناجاته ومناداته بأن ينقذ سوريا قبل أن يحقق أصحاب المطامع مطامعهم. تكاد الدعوات هي طبق رمضان اليومي، حيث تضج الدعوات إلى السماء مع كل غروب بإنقاذ سوريا، وأزعم أن أبواب السماء مفتوحة، وذهبت بالدعاء نحو أفق الواقع ليكون رمضان موعد النصر والفرح، وقد يكون الممر الآمن لإنقاذ وطن عربي حتى النخاع وإن خانه نظامه وفرط في كرامته وجعله برهن البيع لمن لا يستحق.