تعتمد سياسة الإمارات الخارجية على عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، الصديقة أو الجارة أو حتى البعيدة منها، فالمحافظة على علاقة طيبة مع الجميع هي جوهر ونهج أسسهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، واستمر فيهما حكام الإمارات من بعده، فحتى مع الجار الإيراني الذي يحتل جزرنا فنحن نحاول أن نحل هذه القضية معه بشكل ودي عبر الدعوة إلى التحكيم الدولي. إذاً، هي سياسة إماراتية بامتياز في العلاقة الودية والطيبة مع الجميع، وهذا الأمر نراه جلياً حتى في إعلامنا وصحفنا، فالتركيز الأكبر على شؤوننا الداخلية، وفي المقابل تسعى الإمارات إلى تطوير وتحديث البلد واستقطاب العمالة الأجنبية وتحسين فرص المعيشة للمواطنين وتحسين البنية التحتية، فهي بلد عمل ونجاحات متتالية، حتى أن مدناً كبرى مثل أبوظبي ودبي أصبحت لها سمعة عالمية تفوقت على سمعة مدن قديمة وعالمية، ومدننا تستقطب كل عام ملايين السياح الذين يأتون للتعرف إلى هذا البلد الحديث والمواكب في الوقت نفسه لتراثه لماضيه وحاضره ومستقبله. لكن يبدو أن كل ناجح له أعداء كثر، وما أكثر أعداء النجاح، ومع ذلك أستغرب عندما أقرأ الصحف العالمية وحجم التركيز على الإمارات، وعلى حدث هنا وحدث هناك داخل دولتنا، فحتى إذا وقع حادث سير تراهم يكتبون ويضعون عناوين عريضة مسيئة للبلد ويحللون ويربطونها بأمور شتى، ولا أعلم إن كان ذلك وفق أجندة ممنهجة أم حسد العاملين في تلك الصحف وحقدهم، أما آخر "تقليعات" التدخلات عبر الإعلام وأيضاً منظمات شتى، جاءت بلباس الدفاع عن حقوق الإنسان ومطالبات بالإفراج عن بعض الخونة لبلدهم والذين كانوا يسعون إلى إنشاء منظمات تضر بالبلد وبنيته، وبكل وقاحه تفصل تلك الجمعيات مطالبها، وكأنها تملي على الإمارات ماذا تفعل تجاه ثلة من الجماعات التي قامت بالإساءة إلى البلد. في مقارنة سريعة، إذا قامت أي دولة غربية بإصدار أحكام بحق مواطنين أو قامت بإسقاط الجنسية عن البعض لديها بحجة أنهم خالفوا شروط الحصول عليها، أو قاموا بأعمال مضرة بأمن البلد ووجب سحب جنسيتهم، فهل ستقوم الدنيا وهل ستتدخل تلك الصحف نفسها وتسيء للدول الغربية المعنية؟ وأيضاً هل ستتدخل الصحف الإماراتية وتدين أفعال دول الغرب، أم تعتبر الأمر مجرد شأن خارجي يخص دولاً بعينها ولا يحق لها التدخل! ربما وجب علينا أن ننشئ جهة قانونية دولية واجبها فقط ملاحقة تلك الصحف أو الجهات الإعلامية أو حتى المنظمات، وفقاً لقانون كل بلد تصدر منه، واتهامها بالقذف والسب وتشويه صورة الإمارات، وهذا حقنا وفق قوانين تلك البلدان خاصة عندما لا يكون هناك دليل على أقوالهم واتهاماتهم، ووجب علينا أن نستنفر محامين مختصين في هذا الشأن؛ لأنه من المؤسف أن تقوم بالبناء بكل عزم ونشاط، ويقوم غيرك بمحاولة هدم ما تبني أو حتى نثر الغبار عليه. هذا بالنسبة للصحف الغربية، أما الصحف العربية فحدث ولا حرج، وآسف إلى لغة بعض تلك الصحف ومستواها عندما تقوم بالاتهام والإساءة بطريقة تدل على انحطاط فكري، وما أسفه أولئك الذين نصبوا أنفسهم قادة للرأي في مجتمعاتهم، "فمالهم ومالنا"، ولماذا يستنفرون ويطالبون ويشجبون؟ فبعضهم رجال دين ودعاة من دول خليجية شقيقة يقولون إنه يجب إطلاق المعتقلين في الإمارات فوراً، ويقصدون أولئك الذين شكلوا خلايا مرتبطة بالخارج بهدف زعزعة أمن الإمارات، فمن هؤلاء وما علاقتهم بالإمارات؟ لماذا لا ينظرون ويطالبون داخل حدود دولتهم؟ وبأي صفة يتدخلون في شؤوننا الداخلية؟ وآخرون يبثون سمومهم، وينددون بسحب الجنسية عن بعض الخونة لبلدهم! لماذا يتدخلون في شأن الإمارات وهم من دولة أخرى؟ لماذا لا ينتقد بلده ونظامه ومجلسه، أم أنه لا يتجرأ على ذلك في بلده ووجد ضالته في بلد مثل الإمارات؟ وهنا أسأل: هل تسامحنا مع الآخرين يشجع طول لسانهم بحقنا، إما سفاهة أوخبثاً من أولئك وارتباطهم بطريقة أو بأخرى بالخونة كونهم من الطينة نفسها؟! لكن يبدو أنهم تجاهلوا خبر العفو الذي أصدره حكام الإمارات عن عدد كبير من المسجونين، فصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، أمر بالإفراج عن المئات بمناسبة حلول شهر رمضان، كما تكفل بتسديد المديونيات والالتزامات المالية التي ترتبت عليهم، وكذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أصدر عفواً أيضاً عن مئات المسجونين من مختلف الجنسيات، وبقية أصحاب السمو حكام الإمارات أيضاً حذوا الحذو نفسه، ربما تأمل جماعة "الإخوان" الإفراج عن عناصرها، لكن لا مكان لهؤلاء في العفو لكونهم أعطوا الكثير من الفرص ولم يتعظوا، ربما بسبب طبيعتهم القائمة على الحقد على الوطن وعلى أبنائه، أو لأنهم ببساطة خونة لوطنهم. أيضاً وضمن ما قرأته، وأثار ضحكي أخيراً هو مزاعم بأن الإمارات تستعين باللواء عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق، في الشأن الأمني في الإمارات؛ وبهدف تنظيم القمع ووضع خطط أمنية للتعامل مع المعارضين، وقد أشاعت ذلك العديد من المواقع الإلكترونية التابعة لـ"الإخوان"، بل أكدوا ذلك ونشروا هذا الخبر بكثافة، وها أنا أسمع أن سليمان كان يعاني المرض وكان موجوداً في أميركا للعلاج، ثم توفي متأثراً بمرضه.. تخيلوا مدى خصوبة خيال هؤلاء ومدى كذبهم ونفاقهم، الرجل الذي قارب عمره الثمانين عاماً والذي توفي، أطلقوا شائعة تقول إنه يعمل مع الأمن الإماراتي، فأي كذب وأي نفاق؟! لفتني أيضاً ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور محمد قرقاش، من خلال تغريدة على موقع "تويتر" ونصه أن "المجموعة القليلة اعتبرت نفسها وصية على شعب بأكمله، تتحدث باسمه، وتتجاهل أن عقوداً أربعة مملوءة بالإنجاز تبين حرص قيادتنا على الدولة".. أيضاً قال إن "البعض تحدث عن الإصلاح من منظور اجتماعي وديني، وكأن مجتمع الإمارات بعيد عن الإسلام وأطره المنظمة"، كما أكد قرقاش أن هذه الجماعات تستغل الوضع الإقليمي من خلال تحريضها على الوطن والدولة في المنظمات الغربية "نحن حريصون على المكاسب التي تحققت، أما التحريض على الدولة والوطن في المنظمات الغربية، فلا شك في أنه يسيء إلينا، لكننا لا بد لنا من تجاوزه من خلال مؤسساتنا وقوانيننا"... نعم أصاب قرقاش كبد الحقيقة ولخص خبث تلك المجموعات واستغلالها للوضع الإقليمي ومدى انتهازيتها لتحقيق مكاسب لها من خلال تمتين ارتباطها بأنظمة وجماعات غريبة عن الإمارات، لكن ربما نسوا أن طبيعة الإماراتي متفردة وخاصة، فهو يمتلك فطرة سليمة للتمييز بين الصواب والخطأ. twitter:@bgsalem