اقتربت أصوات الانفجارات من القصر الرئاسي، واستهدفت تفجيرات الأربعاء الماضي الدموية الدائرة الضيقة للرئيس السوري بشار الأسد، وبدا وكأن العاصمة دمشق على وشك السقوط في أيدي المعارضة السورية، فمقتل ثلاثة من كبار القادة الأمنيين ضربة موجعة للنظام السوري، إلا أن مقتل نائب وزير الدفاع السوري وصهر الأسد "آصف شوكت" يعتبر ضربة شخصية للرئيس السوري، فهل دخل الصراع في سوريا في"مرحلته النهائية" بعد التفجير الانتحاري في دمشق؟ إن اغتيال أعضاء خلية إدارة الأزمة سيضعف بالتأكيد النظام السوري فيما يعتبر انتقال المعارك إلى العاصمة مؤشراً خطيراً على تسارع عملية الحسم وتصعيد الصراع، فانتقال الصراع للعاصمة يعني بدء العد التنازلي للنظام، فزلزال دمشق، دفع الأسد إلى سحب قواته العسكرية من القرى وإعادتها لحماية العاصمة. هذه العملية شكلت دفعة معنوية للمعارضة السورية، وأظهرت حجمها، فمن شأن هذه العملية أن تقوي معنويات المعارضة السورية وتشجع العديد من المسؤولين العسكريين على الانشقاق عن نظام الأسد، ولاشك بأن ضعف الثقة باستمرار نظام الأسد، وتصاعد أعمال العنف، سيجعل من السهولة حسم خيار المترددين من عسكريين أو دبلوماسيين سواء لأسباب أخلاقية أو لأسباب نفعية، وبالتالي ستسهل عملية ضمهم لصفوف المعارضة ويصبح الانشقاق عن النظام خياراً عقلانياً، قبل أن يكون أخلاقياً مما سيسرع بوتيرة انهيار النظام من الداخل. فانشقاق الضباط مكسب عسكري لـ"الجيش السوري الحر" وانشقاق الدبلوماسيين مكسب سياسي، ولعل انشقاق سفير سوريا السابق لدى العراق، كان ضربة موجعة للنظام السوري. ومن المنتظر أن تتوالى الانشقاقات الدبلوماسية والعسكرية، مما يشكل تآكلاً متسارعاً في أجهزة النظام وأجهزة الدولة. لقد أظهرت التطورات الأخيرة تزايد قدرات الجيش السوري الحر التسليحية وانتشاره داخل المدن وصولاً للعاصمة دمشق، وتغيير استراتيجية "الجيش الحر" من الدفاع عن المتظاهرين الذين يستهدفهم جيش النظام وشبيحته إلى الهجوم واستهداف الحواجز والقواعد العسكرية في المدن والضواحي، ومن ثم الاعتماد على أسلوب العمليات الانتحارية والتفجيرات واستهداف الحلقة الضيقة للنظام. ولاشك أن استمرار انشقاق كبار الضباط عن الجيش وانضمامهم إلى صفوف المعارضة زاد من قدرات الثوار عبر توظيف كفاءاتهم في المواجهة، إضافة إلى زيادة القدرات العسكرية عبر الحصول على أسلحة من الداخل عبر مخازن أسلحة الجيش السوري أو من غنائم المعارك، أو حتى من الخارج، فتسليح "الجيش الحر" قلل من الهوة بينه وبين الجيش النظامي في المواجهات العسكرية، ولكنه زاد من سرعة انزلاق سوريا إلى حرب أهلية. لقد حانت لحظة رحيل الأسد، والحرب الأهلية على الأبواب، والمعارضة لا تقدم بديلًا مقبولًا حتى الآن، ستدخل سوريا في مخاض طويل من عدم الاستقرار، وستدخل في مرحلة انتقالية بعد أن يتفكك النظام، ورغم أن مجلس الأمن لازال منقسماً حول سوريا بعد "الفيتو" المزدوج الروسي والصيني، فإن الاستعدادات لمرحلة ما بعد الأسد بدأت حتى من حلفاء سوريا. سيسدل الستار قريباً عن اثنين وأربعين عاماً من سيطرة نظام الأسد - الأب والابن- وسيدخل الشرق الأوسط مرحلة من إعادة تشكيل التحالفات ومراكز القوى، وستبقى اللوحة قاتمة حتى تستقر الأوضاع وتنجلي عن شرق أوسط جديد.