مرة أخرى يأتي شهر رمضان المبارك ليشهد على حالنا التي تزداد تراجعاً وتشتتاً. والثابت الدائم أننا كعرب ومسلمين بشكل عام، مع كل رمضان، نزداد شقاقاً وخلافاً وتفككاً ونزيفاً، ووضع المسلمين في الشرق والغرب ليس على أحسن حال. في العام الماضي حل رمضان على وقع مجاعة مؤلمة وبشعة في الصومال الممزق. وأتى رمضان ليشهد أيضاً حرباً طاحنة في ليبيا قادت إلى إسقاط أطول نظام عربي حكم دولة وشعباً في وقتنا الراهن. وشهد تالياً ثورات لم تحسم بعض تداعياتها وفصولها في ليبيا وسوريا واليمن. وبقي الثابت في استقبال ووداع كل رمضان هو اختلاف المسلمين كل عام على تاريخ بدء الشهر الكريم، ونهايته، وموعد بدء عيد الفطر. ووصل الأمر اليوم إلى اختلافات أحياناً في الدولة نفسها بين مكونات الشعب في الدول متعددة الطوائف حول بدء ونهاية رمضان والعيد! والراهن أن المليار والستمائة مليون مسلم الذين يشكلون أكثر من خمس البشرية يستقبلون رمضان هذا العام والعرب والمسلمون في آلام مخاض جدير بأن يقال عنه إنه نازف ومتشظٍّ في أكثر من دولة ومكان ومجتمع. فأينما نظرنا، وأينما حلقنا في رمضان، سنرى الحالة المؤلمة والبائسة للكثير من العرب والمسلمين. في عام 2006 اقترب منا رمضان على وقع حرب مدمرة ومجنونة شنتها إسرائيل على لبنان وذهب ضحيتها أكثر من 1400 إنسان وآلاف الجرحى، هذا زيادة على تدمير البنية التحتية في لبنان. وفي العام الماضي أثارت أيضاً المناظر المؤلمة للأطفال ولعامة الشعب الصومالي، وهو يموت أمام أعيننا بسبب المجاعة التي ضربت القرن الأفريقي، آلامنا وآلام المسلمين في كل مكان. وفي شهر رمضان هذا العام تتعدد كذلك المآسي وتفيض العيون بالدموع. ونبدأ من جنوب شرق آسيا من ميانمار -أو بورما كما كانت تعرف- وحكمها القمعي الشمولي، حيث تتعرض الأقلية المسلمة التي تتجاوز مليونين من المسلمين الروهانيين من السكان الأصليين، لحرب إبادة وتطهير عرقي وديني حقيقي على يد الأغلبية البوذية. وزادت حملة التطهير العرقي والديني هناك مؤخراً بعد سقوط الآلاف بحرب إبادة مستمرة منذ سنوات. وحسناً فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة بالدعوة لعقد اجتماع للجنة الدولية لحقوق الإنسان لمناقشة وضع المسلمين في ميانمار. وكذلك لقي الاستحسان ما عرضته قناة "الجزيرة" و"الجزيرة مباشر" وتسليطهما الضوء إعلامياً على مأساة ومعاناة المسلمين في ميانمار. ولكن مطلوب المزيد، وتكثيف الزخم الإعلامي والتحرك السياسي لتوعية المجتمع الإسلامي ومخاطبة الضمير العالمي وممارسة ضغط على الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان لفضح النظام الديكتاتوري في ميانمار. والسؤال الذي لابد من طرحه: ماذا فعلت منظمة التعاون الإسلامي ودولها السبع والخمسون لتسليط الضوء على هذه المأساة، وحشد الرأي العام العالمي، وتريحك منظمات حقوق الإنسان والدول الكبرى التي لم تحرك ساكناً إلى اليوم. لقد قتل 12 أميركياً قبل أيام على يد أميركي معتوه فأثار ذلك سخط أميركا والغرب، وأعلن الحداد العام في أميركا وتنكيس الأعلام فوق سفاراتها في الخارج والمباني الحكومية في الداخل... ويقتل كل يوم 200 سوري منذ بدء معركة دمشق والعملية النوعية التي أدت إلى قتل قيادات عسكرية وأمنية في سوريا، وكذلك يقتل آلاف في ميانمار، دون أن يثير شلال الدم ضمير أحد في المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية! والعار أيضاً على زعيمة المعارضة "آنغ سان سوكي" التي بقيت لفترة مديدة في إقامة جبرية وممنوعة من السفر، وخاصة أنها حصلت قبل سنوات على جائزة نوبل، وزارتها كلينتون، وقامت بزيارة تاريخية إلى دول أوروبية الشهر الماضي واستقبلت استقبال الأبطال الإصلاحيين، وهي تقود المعارضة اليوم في البرلمان ضد النظام العسكري الديكتاتوري في ميانمار، ولكنها على رغم كل ذلك لم ترفع صوتها منتقدة حرب الإبادة على المسلمين. ولذا فقد بات مطلوباً تحرك عربي- إسلامي دولي من منظمة التعاون الإسلامي، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان، وقبل هذا وذاك بات ضرورياً فتح تحقيق دولي ووقف حرب الإبادة هذه بكافة الوسائل المناسبة. أما في سوريا فماذا عسانا نكتب ونشرح وقد تحولت بلاد الشام إلى أرض يستبيحها نظامها، ويقتل شعبها جيشها، ويحولها إلى ثكنة عسكرية، وأرض للموت والدم. وبات اليوم المحظوظ في سوريا هو من يُقتل ويموت دون أن يتعرض للتعذيب أو يسقط جريحاً، ويتحول إلى أشلاء مبعثرة وينتهي به المطاف في جنازة تليق بالميت بدلًا من أن يُلقى في مقبرة جماعية كحال من يدفن بعد كل مجزرة... نقول ذلك بألم وحسرة ونحن لم نعد قادرين على متابعة وإحصاء المجازر والضحايا، ونزيف الدم البريء ومشاهد الأشلاء. والأمل أن نشهد في رمضان بداية النهاية لهذه المأساة، التي تتقلب على وقع المجازر والبطش وقصف عاصمة الأمويين ورحيل سكانها! خاصة بعد الانشقاقات، ومقتل العقول المدبرة والمخططة والمنفذة للعمليات العسكرية من الدائرة المقربة من رأس النظام. ويزداد المشهد في هذا الصيف الحار أيضاً تعقيداً على خلفية الحرب الباردة بين الغرب وإيران بسبب مشروعها النووي وسعيها للتمدد والتدخل في شؤون الغير وزيادة حضورها وتوسيع شبكة علاقاتها من غرب أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط. وعلى خلفية التهديد مجدداً بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تمر عبره 40% من النفط المحمول بناقلات النفط. وقد حذرت أميركا والدول الكبرى طهران مؤكدة أن مضيق هرمز خط أحمر، لأن النفط هو عصب حياة اقتصادات الغرب والشرق الصناعي. فيما يصدر مجلس الشورى الإيراني، من جانبه، مشروع قانون بأغلبية النواب يسمح بإغلاق مضيق هرمز في تحدٍّ آخر للعالم. ونسجل هنا نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في تدشين وشحن أول شحنة نفط عبر أنبوب نفط حبشان أبوظبي- ‎?الفجيرة? على خليج ‎?عمان،? متجاوزة ‎?مضيق هرمز?. وخط ‎?حبشان? ‎?أبوظبي?- ‎?الفجيرة? مشروع استراتيجي وحيوي، وخطوة ذكية، بكل المقاييس. يذكر أن خط حبشان- الفجيرة ينقل 1,5 مليون برميل يومياً. ومرة أخرى، فهذه خطوة استراتيجية مهمة حقاً وحيوية تحسب لدولة ‎?الإمارات? التي عرفت كيف تستفيد من موقعها الجغرافي. والمطلوب عمل خليجي مشترك لتحييد ورقة إيران حول إغلاق مضيق هرمز. ونعود، مرة أخرى ومرات، لنتساءل: بأي حال عدت يا رمضان لتكون شاهداً علينا في وضعنا المؤلم والمؤسف حيث تكالبت علينا الأمم وأصبحنا مهمشين ومستهدفين ومظلومين. وزاد أعداؤنا وتفاقمت الخلافات بيننا، وحاربنا الغرب والشرق، وعجزت بعض القيادات وتشتتّ الشعوب. فمتى الخلاص؟! ندعو الله أن يتقبل دعوات الصائمين ليتحول حالنا من حال إلى حال! مبارك عليكم الشهر وكل رمضان ونحن أفضل حالاً!