تفتخر الصين – ولها الحق في ذلك - بإرسالها أول امرأة من مواطناتها إلى الفضاء. ففي منتصف شهر يونيو المنصرم ضمت السفينة الفضائية الصينية "شنجو 9 " التي انطلقت إلى الفضاء الخارجي من موقع نائي في صحراء "جوبي" الواقع في مقاطعة منغوليا الداخلية الطيارة المقاتلة "ليو يانغ" البالغة من العمر 33 عاماً، إضافة إلى رائدي فضاء آخرين، وذلك في مهمة استغرقت 13 يوماً من أجل الالتحام مرتين بوحدة المختبر الفضائي الصيني "تيانجونج -1" التي كانت قد أطلقت في شهر سبتمبر 2011 . وقد حظي الحدث باهتمام بالغ من قبل مئات الملايين من الصينيين لأسباب كثيرة، فإضافة إلى وجود امرأة للمرة الأولى على متن سفينة فضائية صينية، أعتبر الهدف الذي أطلقت من أجله الأخيرة (الالتحام بمختبر فضائي) تطوراً مهماً ونوعياً ضمن البرامج الصينية لإطلاق المركبات الفضائية، والتي بدأت في عام 1999 بإطلاق المركبة غير المأهولة "شنجو1"، كما أعتبر الحدث إبرازا لما وصلت إليه الصين من مكانة علمية وتقنية في العالم وهي تحتفل بالذكرى الـ 91 لتأسيس حزبها الشيوعي الحاكم، والذكرى الـ 15 لاستعادة سيادتها على "هونج كونج". لكن السبب الأهم للاهتمام الشعبي بوجود "ليو يانج" ضمن الطاقم الفضائي، هو تشبيههم لها بـ "تشانج أر"، أول صينية تحط على القمر قبل 3000 عام وفق أسطورة صينية قديمة. ومفاد الأسطورة أن عشر شموس كانت تبعث بأشعتها نحو الأرض حتى كادت تحرقها، لولا تدخل رامي السهام الماهر"خوي إي"، الذي تمكن بسهامه من إصابة وإسقاط تسع شموس، والإبقاء على واحدة فقط لينعم البشر بدفئها ونورها. وبسبب من ذلك "كافأت" الآلهة "خوي إي" بمنحه إكسير الحياة وإنقاذ زوجته الجميلة "تشانغ آر" التي حطت على القمر، فجعلته أكثر بهاء وضياء. ويمكن القول إن المصدر الآخر لافتخار الصينيين والصينيات بـ "ليو يانج" هو ذكاؤها وصمودها واجتيازها لكل الامتحانات والتدريبات التي استغرقت ثلاث سنوات وشملت التمارين البدنية والنفسية، إضافة إلى امتحانات في أكثر من 50 مادة من بينها الرياضيات والعلوم والفلك والطب والحاسوب واللغة الإنجليزية. هذا علما بأن "ليو يانج"، التي انضمت إلى القوات الجوية التابعة للجيش الأحمر الصيني عام 1997 ، وسجلت مذاك 1680 ساعة طيران، وترقــّت حتى وصلت إلى منصب قائد وحدة جوية مقاتلة، كانت قد اختيرت من بين 30 فتاة متنافسة بعد التأكد من عدم وجود ندب على أجسادهن أو انبعاث روائح كريهة من أفواههن وبشراتهن. وكانت ضمن ستة متنافسات صمدن إلى النهاية. وبقدر ما يحق للصين أن تفتخر برائدة الفضاء "ليو يانج"، وبحقيقة أن هذه هي المرة الرابعة التي ترسل فيها رواد فضاء إلى مدار حول الأرض منذ إرسال أول رائد فضاء (يانج ليوي) في عام 2003، فإن الهند يحق لها أن تفتخر أيضاً بصعود إحدى مواطناتها إلى الفضاء، ونعني بها رائدة الفضاء الأميركية من أصل هندي "كالبانا تشاولا"، التي ولدت ودرست الفيزياء والعلوم والهندسة في الهند قبل أن تهاجر مع أسرتها إلى ولاية تكساس، حيث أختيرت لتكون ضمن الطاقم الفضائي الذي قاد مركبة "كولومبيا" المشؤومة التي تحطمت في عام 2003 في طريق عودتها إلى الأرض. ويحق للهند أيضاً أن تفتخر بمواطنة أخرى من مواطناتها العبقريات العاملات في مشروع من مشاريعها الاستراتيجية بعيدة المدى. والإشارة هنا إلى الدكتورة العالمة في مجال الصواريخ الباليستية والأنظمة الدفاعية "تيسي توماس"، التي لا يمكن للمرء أن يميزها ببساطتها، ووجهها المبتسم، ولباسها المكون من الساري الهندي التقليدي، وحذائها الجلدي الخفيف، والدائرة الحمراء التي تتوسط حاجبيها، عن الملايين من ربات البيوت في عموم الهند، وفي مسقط رأسها في ولاية كيرالا، أو في مقر إقامتها الحالية في حيدر آباد تحديداً، فيما الحقيقة أنها أول امرأة تدخل غمار مشروعات الأسلحة الاستراتيجية في بلادها، وتنخرط على مدى عقدين متواصلين في برنامج "أجني" الصاروخي الذي اختبر بنجاح في شهر نوفمبر 2011 أكثر صواريخه تطورا وتعقيدا ألا وهو صاروخ "أجني 4" طويل المدى (2500 -3500 كلم)، قبل أن يختبر في أبريل من العام الجاري صاروخه الأبعد مدى "أجني 5" (5000 كلم)، والذي يعمل وفق أنظمة متطورة جداً. وتقول الدكتورة "تيسي توماس" (48 عاماً)، التي تخرجت في كلية "ثريسور" الحكومية للهندسة، ودرست أيضاً في معهد التكنولوجيات الدفاعية في "بونا" بالقرب من مومباي، قبل أن يقع الاختيار عليها لتكون من بين عشرة أفراد للالتحاق ببرنامج "إم تيك" للصواريخ الموجهة التابع لمنظمة أبحاث وتطوير أنظمة الدفاع في الهند، كونها خبيرة في "نظام الموجهات الصلبة" التي تمد الصاروخ "أجني" بالوقود، أنها تدين أولاً بما وصلت إليه لوالديها (أبوها رجل الأعمال البسيط، وأمها ربة البيت متواضعة التعليم) اللذين زرعا في نفسها منذ طفولتها عشق مادتي الفيزياء والرياضيات كوسيلة لمواجهة وحل أية مشكلة قد تصادفها في حياتها، وثانيا للبيئة التعليمية التي تلقت العلم في ظلالها والتي – بحسب قولها – لم تميز بين الدارسين على أساس جندري، وثالثاً لرئيس الهند السابق وعالم صواريخها الأشهر البروفيسور المسلم "أبوبكر زين العابدين عبدالكلام"، الذي تعتبره قدوتها وملهمها ومشجعها على الانفتاح وتبادل الآراء والعمل الجماعي، ورابعاً للدولة الهندية التي لم تبخل عليها هيئاتها بالجوائز والتكريم والرعاية (نالت في عام 2007 جائزة الامتياز في البحث والتفوق في تطوير التكنولوجيات الدفاعية، وفي عام 2011 مــُنحت أرفع الجوائز الهندية قاطبة وهي المعروفة باسم " شانتي باتناكار")، الأمر الذي كان دافعاً لها للإصرار على مواصلة النجاح والابتكار والتفوق، إلى أن صارت تلقب اليوم بـ "سيدة علم الصواريخ" وأحياناً بـ "أجني بوتري" أي السيدة المولودة من نار. ولم ينس رئيس الحكومة الهندية الدكتور "مانموهان سنج" أن يتذكر بالتقدير والعرفان جهود الدكتورة "توماس" فذكرها في إحدى خطبه قائلًا: أن "تيسي توماس" نموذج للمرأة التي تصنع المستحيل وتضع بصماتها الخاصة في مجتمع ذكوري تقليدي عن طريق تحطيم الأسقف والحواجز الزجاجية بإصرار وحسم.