برغم أن الألعاب الأولمبية في لندن لم تبدأ بعد، إلا أن التداعيات المالية والاقتصادية الضخمة التي تصاحب التظاهرة الرياضية الأهم في العالم بدأت تفرض وجودها في كل مكان حول العالم، بل امتد صداها لأكثر من خمسة آلاف ميل بعيداً من لندن في مطعم "لا باستيا" بمدينة سان خوسي على الساحل الغربي للولايات المتحدة، حيث يتجمع حول الطاولات أناس كثر قدموا من ولايات أخرى إلى المدينة لمتابعة تدريبات فريق الجمباز الأميركي قبل توجهه إلى لندن، وفي بعض الأوقات وصل حجم الأعمال في المطعم إلى مستويات غير مسبوقة عبرت عنه مديرته "راشونا فاسكيز" قائلة "لقد انتقلنا من حجم متوسط للأعمال إلى حجم كبير للغاية وزادت الأرقام بأكثر من 50 في المئة"، وهي تذكر الأيام التي جاء فيها بعض مشجعي الفريق الأميركي ومحبي رياضة الجمباز مبكراً إلى المطعم وظلوا ينتظرون طوال اليوم. والحقيقة أن الألعاب الأولمبية التي ستنطلق فعالياتها في 27 من الشهر الجاري تدر على أصحاب الشركات المختلفة والمحال المتنوعة مليارات الدولارات تمس تقريباً كافة القطاعات وتتوزع في جميع أنحاء العالم، وفي هذا السياق تخلق الألعاب الأولمبية رواجاً تجارياً كبيراً بدءاً من شراء منتوجات بريطانية مثل العلم وبعض الرموز والتذكارات البسيطة، وليس انتهاء بالشراكة التي عقدتها محطة "إن. بي. سي" التي ستنقل التظاهرة الرياضية إلى الجمهور الأميركي وبين موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للترويج للمحتوى الرياضي على صفحة الموقع، وعن هذا الموضوع يقول "روبرت بولاند"، أستاذ اقتصاد الرياضة في جامعة نيويورك "لم يعد من حدود أمام الألعاب الأولمبية التي وصلت إلى قطاعات اقتصادية متعددة". فالحدث الرياضي الدولي يمثل منصة عالمية لتسويق المنتجات المختلفة والترويج لها، بالإضافة إلى كونه فرصة للتواصل غير مسبوقة عدا في كأس العالم لكرة القدم، وهو ما يؤكده الخبير في التسويق "روب برازمارك"، الذي ساعد اللجنة الأولمبية الدولية في استحداث برنامج لاجتذاب الرعاة خلال ثمانينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن الألعاب الأولمبية في لندن تدر تقريباً سبعة مليارات دولار من مداخيل الرعاة وحقوق البث التلفزيوني، بالإضافة إلى بيع التذاكر وباقي الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتظاهرة، وهذا دون احتساب القيمة الاقتصادية غير المباشرة مثل الترويج لاسم لندن كمدينة عالمية للجذب السياحي مرتبطة بالألعاب الرياضية التي يتوقع أن يتابعها أربعة مليارات شخص حول العالم، ويضيف "برازمارك" قائلاً "إن صناعة الألعاب الأولمبية باتت اقتصاداً قائماً بذاته"؛ وفي هذا السياق أيضاً يقول "بولاند" إن التسويق التجاري للألعاب الأولمبية واجتذاب المداخيل لم يعد قاصراً على الرعاة الذين يضعون أسماءهم جنبا إلى جنب مع الرياضيين المشهورين، بل امتد أيضاً إلى المتقاعدين من الرياضيين الذين يُحتفل بمشوارهم الرياضي في محاولة لاستقطاب المشاهدين، ويؤكد "بولاند" أنه في السابق كان أقصى ما يطمح له الرياضي في الألعاب الأولمبية أن يشارك مرة، أو مرتين ليختفي بعد ذلك، "لكن اليوم هناك ما يكفي من المال لدعم الرياضي وضمان بقائه لمدة أطول على الساحة الرياضية من خلال تمويل التداريب وغيرها، وهو ما يفيد الرياضي والقطاع التجاري في نفس الوقت". وفيما كان اعتماد الألعاب الأولمبية على المعلنين والرعاة جارياً به العمل منذ مدة، شكلت الألعاب الأولمبية لبكين في 2008 نقطة تحول أساسية بعدما ارتقى الجانب التجاري والاقتصادي للألعاب إلى مستويات غير مسبوقة، إذ في الوقت الذي سلطت فيه تلك الألعاب الضوء على المكانة المهمة للصين كقوة عالمية صاعدة، إلا أنها أيضاً منحت فرصاً هائلة للشركات الغربية والعالمية للتواجد على الساحة الصينية ودخول سوقها الكبيرة؛ أما في لندن فإن الألعاب الأولمبية تستخدم لإنعاش اقتصاد المدينة المتداعي من خلال استكمال بعض المشاريع الكبرى مثل المرافق الرياضية الراقية وبناء أكبر مركز تجاري في أوروبا، بالإضافة إلى إقامة بنية تحتية جديدة في مجال النقل، وذلك كله بكلفة تتراوح بين 15 و20 مليار دولار، وتتطلع لندن أيضاً إلى الترويج لمنطقتها التكنولوجية الجديدة الشبيهة بوادي السيلكون في الولايات المتحدة، ومع أن لندن قد لن تتمكن في المدى المنظور على الأقل من تعويض تلك الكلفة الباهظة التي أنفقتها على الألعاب الأولمبية، إلا أنها تشكل في المقابل دفعة نفسية قوية لمدينة تعيش على وقع المصاعب الاقتصادية وتعاني على غرار باقي أوروبا من ركود اقتصادي مستفحل، وتسعى شركات التكنولوجيا من تعظيم استفادتها هي الأخرى من الأجواء الاحتفالية وأخذ حصتها من الكعكة، وهو ما تحاول القيام به شركة "سيسكو" على سبيل المثال التي ستتولى إعداد الشبكات الضرورية لنقل المعلومات والمعطيات المتدفقة عبر أجهزة الحاسب إلى المتابعين، وإلى جانب "سيسكو" سيستفيد أيضاً موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" دون أن ينفق سنتاً واحداً، فالموقع ومن خلال شراكته مع محطة "إن. بي. سي" التلفزيونية التي ستنفق 4.4 مليار دولار على حقوق البث الحصري للتظاهرة الرياضية حتى عام 2020 سيحدث صفحة تعرض آخر الأخبار المتعلقة بالتطورات الجارية في المضمار، بالإضافة إلى تنزيل صور وغيرها من جوانب المحتوى التفاعلي، كما ستقوم المحطة بعرض شريط صغير يتابع النقاش الجاري على صفحة "الفيسبوك". جون بودرو-كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"