في الوقت الذي تستمر فيه المنطقة العربية وجوارها الجغرافي في استرعاء انتباه العالم، نتيجة لما يلم بها من أحداث حالياً، ولما تحتويه أراضيها وبحارها من موارد طبيعية مهمة خاصة النفط والغاز، ولموقعها الجيواستراتيجي المميز وكثافتها السكانية العالية التي تجعل منها سوقاً رائجة لمنتجات العالم الصناعي شرقاً وغرباً، فإنه ليس من المحتمل لها أن تشكل أهمية يعتد بها في شؤون العالم السياسية والاقتصادية والعسكرية، أو مصدراً يهدد مصالح الدول الأخرى. فالمنطقة في هذه المرحلة من تاريخها تمارس أدواراً أقل من حجمها وأهميتها، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي العالميين، وتنظر إليها دول ومناطق العالم الأخرى على أنها منطقة نظم حكم شمولية أوضاعها جامدة وتوجد فيها دول بعضها فاشلة فعلاً وبعضها الآخر في طريقها إلى الفشل. وأيضاً ينظر إليها على أنها لا تصدر إلى بقية دول العالم سوى النفط والغاز ويغلفها عدم استقرار مزمن، بدأ منذ بداية القرن العشرين ولا يزال مستمراً، ويظهر بين الفينة والأخرى بأشكال ومظاهر تتلون وتتشكل بمرور الزمن، وهي لا زالت منقسمة على نفسها وفقاً لخطوط دينية مذهبية ومكبلة بثقافات محلية تبدو محصنة ضد حدوث تنمية وتحديث حقيقي، أو ديناميكيات تغير من جوهرها. التحديات الأمنية الحقيقية التي تشكلها المنطقة على مصالح دول العالم الأخرى، خاصة الولايات المتحدة، تدور حول إيران ومشاكل الإرهاب والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. التهديد الحقيقي الذي تشكله إيران حالياً، يأتي من برنامجها النووي في شقه العسكري، الذي يمكن أن يقود دول الغرب وإسرائيل إلى الدخول في حرب ساخنة بهدف التعامل مع ذلك البرنامج بهدف تدميره، تجر معها دول المنطقة طواعية أو بالإكراه إلى المساهمة فيها. ولو حدث ذلك، فسيكون له تداعيات رئيسية خطيرة على المنطقة وعلى دور ومصالح دول العالم الأخرى. لكن ما هو أقرب إلى التطور (مع وجود الحزب الديمقراطي في السلطة في الولايات المتحدة)، هو سياسة احتواء تديرها واشنطن، وتنضم إليها القوى الإقليمية والمحلية التي تتوق إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، وإلى عزل إيران وتحجيم تطلعاتها الخاصة بالهيمنة في المنطقة. معظم دول المنطقة العربية تقطنها كثافات سكانية سُنية على عكس إيران التي تقطنها أغلبية شيعية إثنا عشرية. وضمن هذا السياق، فإن تركيا ذات كثافة سُنية وترغب في موازنة الدور الإيراني في المنطقة، وتشكل إزالة العراق من الموازنة العسكرية، وكمراقب لتطلعات إيران في المنطقة وموازن لها أمراً مفصلياً خلق فراغاً أمنياً، على دول أخرى في المنطقة أن تملأه. لذلك فإن الأطراف ذات العلاقة سواء من داخل المنطقة أو خارجها عليها أن توفر رادعاً لقوة إيران العسكرية التقليدية، وقوتها النووية العسكرية القادمة. وسيبقى السؤال المتعلق بما إذا كان ذلك سيكون كافياً لطمأنة جيران إيران من عرب وغيرهم، وأن يمنع ظهور سباق تسلح نووي. الخطر الرئيس الذي تواجهه المنطقة حالياً، هو التهديد الذي يشكله امتلاك المزيد من دولها لأسلحة نووية، فمساعي إيران، وامتلاك إسرائيل الفعلي لأسلحة نووية يهدد نظام عدم انتشار الأسلحة النووية العالمي، الذي هو نظام هش بطبيعته. ومن جانب آخر فإن تطوير علاقة جيدة بين المجتمع الدولي وإيران أمر ممكن، خاصة وأن إيران ذات مجتمع مدني وقوي وحضارة وإرث تاريخي ضارب في الجذور، وهي جميعها معطيات تبعث على التفاؤل والأمل بأن تحدث تغييرات إيجابية جوهرية في إيران تغير جذرياً من الوضع والصورة التي هي عليها الآن.