هل كان من الممكن تفادي أعمال القتل التي ارتكبها الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح بمدينة تولوز الفرنسية في مارس الماضي؟ هذا واحد من بين أسئلة كثيرة يطرحها كتاب جديد يلقي الضوء على الأحداث التي هزت فرنسا من 11 إلى 22 مارس الماضي. فخلال ثمانية أيام، عاشت فرنسا على وقع الرعب والصدمة: ثلاثة جنود يُقتلون بدم بارد، ومذبحة في مدرسة يهودية راح ضحيتها كبار وصغار بشكل عشوائي... قبل أن يأتي هجوم قوات التدخل الفرنسية على بناية بأحد الأحياء الواقعة في ضواحي مدينة تولوز، واثنتان وثلاثون ساعة طويلة من الحصار، وتبادل إطلاق النار، أُعلن في نهايتها خبر مقتل مراح. وحتى ذلك الوقت، لم يسبق لأجهزة الاستخبارات الفرنسية أن واجهت مثل هذه الأعمال الإرهابية التي تبدو معزولة ظاهرياً، لكن تداعياتها متشعبة ومعقدة؛ فقضية مراح أكبر من مجرد قصة سباق ضد الساعة من أجل توقيف قاتل مجنون؛ فهي تطرح أسئلة بشأن أداء أجهزة الاستخبارات الداخلية الفرنسية التي كانت ناجحة حتى ذلك الوقت في رصد أولئك الأفراد المندمجين بشكل مثالي في المجتمع الفرنسي والقادرين في غضون ساعات معدودة على القيام بعمل إرهابي غير متوقع. غير أن ملف مراح الشخصي، وزياراته إلى الخارج، وحياته اليومية، والمراقبة التي كان يخضع لها من قبل "الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية" الفرنسية على مدى ثمانية أشهر... كل ذلك لم يتضمن ما يفيد بالحاجة إلى إدخاله إلى الملفات المعروفة عادة لدى الأجهزة الاستخباراتية المعتادة منذ سنوات حول التهديدات الأصولية. هذا الكتاب الذي يحمل توقيع اثنين من أشهر الصحفيين الفرنسيين المتخصصين في نوع التحقيقات الصحفية، وهما جون ماري بونتو وإيريك بيلتييه، يحكي بإسهاب مسلسل الرعب الذي دام ثمانية أيام عبر تقديم قراءة فريدة للأحداث: كيف استطاع مراح الإفلات من ملاحقة الشرطة القضائية له مرتين؛ الأولى من أجل الانضمام إلى صديقته؛ والثانية من أجل الاتصال هاتفيا بقناة "فرنسا 24" من هاتف عمومي من دون أن يشعر بالخوف؟ وما هو بالضبط فحوى حواره مع مذيعة القناة؟ يورد الكتاب النص الكامل لذلك الحوار، كما يكشف عن الساعات التسع من الحوار الذي دار بينه وبين المفاوضين من وحدة التدخل؛ وكذلك التفصيل الذي سمح للشرطة بتضييق الخناق عليه، وكيف حوَّل مراح شقته الصغيرة إلى معسكر حقيقي. ولعل الأهم من ذلك هو أن الكتاب يكشف ويؤكد معلومات لم يسبق أن نشرت من قبل، ومن ذلك أن الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية راودتها بالفعل قبل بضع سنوات فكرة تحويل مراح إلى مخبر يعمل لحسابها؛ وأن مراح كانت لديه بالفعل النية في التجنيد والانضمام إلى كتيبة متوجهة إلى أفغانستان، وذلك بهدف الانقلاب على الجنود الفرنسيين هناك وقتل أكبر عدد منهم؛ وأن مراح لم يتلق تدريباً بأحد المعسكرات الجهادية لعدة أسابيع على غرار آخرين، لكنه دُرب لبضعة أيام فقط بشكل منفرد من قبل أمير أصولي شمله بعطفه؛ وأن مراح كان بالفعل يجد متعة في القتل وكان يعتزم التسبب في حادث مروري حتى يأتي أفراد الشرطة ويقتل أكبر عدد منهم؛ وأنه تم العثور بالفعل على بطاقة تعارف لعضو في الحرس الرئاسي الفرنسي في سيارة مراح. ثم يطرح الكتاب السؤال التالي: ماذا ستغير قضية مراح في تنظيم الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية وطريقة اشتغالها في المستقبل؟ الكتاب (التحقيق)، الذي يعتبر أكبر من مجرد قصة حول ملاحقة الشرطة لقاتل داهية، كونه يستند إلى وثائق سرية اطلع عليها الكاتبان فقط، يعيد تقييم عمل الشرطة وعملاء آخرين في فرنسا وفي الخارج من أجل التصدي للتهديد الإرهابي الذي تجاوز للتو مستوى جديداً من الفظاعة. محمد وقيف -------- الكتاب: قضية مراح... التحقيق المؤلفان: جون ماري بونتو وإيريك بيلتييه الناشر: ميشيل لافون تاريخ النشر: 2012