تزايدت معدلات استخدام تطبيقات الطاقة المتجددة خلال العقد الأخير، وبلغت نسبتها في استهلاك الطاقة الأولية نحو 19 في المئة؛ تأتي معظمها من الكتلة الحيوية (13 في المئة)، تليها الطاقة المائية (3.3 في المئة)، في حين تشارك طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة حرارة جوف الأرض بنسبة 2.3 في المئة. أما الوقود الحيوي فيشارك بنسبة 0.6 في المئة، وهكذا أصبحت الطاقة المتجددة تحتل المركز الثاني في استهلاك الطاقة بعد المصادر الهيدروكربونية (الفحم، النفط، الغاز الطبيعي)، تليها الطاقة النووية في المركز الثالث وبنسبة 2.8 في المئة. وكما يبين كتاب "هيكلية قوانين الطاقة المتجددة"، لمؤلفه محمد مصطفى الخياط، فإن تزايد استخدام مصادر الطاقة المتجددة، يتناسب طردياً مع تطور سياساتها وآليات تنميتها على المستوى العالمي، بدءاً بإصدار قانون لتنمية استخدامات الطاقة المتجددة، ووضع تعريفة محددة لثمن الطاقة المنتجة من مصادر متجددة، مروراً بتقديم حوافز مالية ومِنَح لتحسين اقتصاديات مشروعاتها، وليس انتهاءً بالإعفاءات الضريبية لمشروعاتها أيضاً. وفي مستهل كتابه يؤكد الخياط أن الطاقة باتت أحد التحديات الحرجة لعالمنا المعاصر؛ فأمور مثل مواصلة إنتاج النفط بكميات تتناسب مع تزايد معدلات الاستهلاك والطلب المتزايد عليه أصبحت قضية عالمية تشعل الشأن السياسي. كما أن للطاقة الهيدروكربونية مشاكل وتحديات بيئية معروفة. وكواحدة من آليات مكافحة التغير المناخي من جهة، وسعياً للإسهام في تلبية الطلب على الطاقة من جهة أخرى، نشطت برامج ترشيد الطاقة ورفع كفاءة استخدامها، إلى جانب زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة؛ مثل الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها. ويقسّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة محاور رئيسية: أولها يتناول "تشريعات الطاقة"، ويتضمن تعريفاً بالمصطلحات المستخدمة في شؤون الطاقة، حيث يشير مصطلح "تشريع" إلى القوانين والسياسات المنظمة لشؤون الطاقة، ومن هنا يوضح الكتاب هيكلية قوانين الطاقة ومستوى كل تشريع من حيث قوة التأثير، كما يقدم مختصراً عن تشريعات الطاقة المتجددة؛ مثل "تعريفة التغذية"، و"الحصص الإلزامية"، و"الشهادات الخضراء"، والحوافز المالية والضريبية، وغيرها. أما المحور الثاني، فيتناول موضوع "الطاقة المتجددة"، مبيناً أن الطلب المتزايد على الطاقة وهشاشة أسواقها وحساسيتها للمتغيرات المتعددة... كل ذلك دفع للبحث عن سبل وبدائل لإنتاجها من مصادر مختلفة، كالطاقة المتجددة. لكن الكتاب يشير إلى تدني الاعتماد على مصادر طاقة الشمس والرياح في الدول العربية، وهو ما يكشفه تحليل تشريعات الطاقة المطبقة في هذه الدول. ومن هنا يأتي البحث عن آلية لتنمية وترويج نظم الطاقة المتجددة في العالم العربي، مثل آلية "تعريفة التغذية"، مع التركيز على آثار قصور التمويل الوطني والإقليمي على مشروعات الطاقة البديلة. وأخيراً يتركز المحور الثالث على "تعريفة التغذية"، ويقصد بها أن تحدد الدولة المعنية لكل وحدة طاقة (كيلووات ساعة) تنتج من مصدر متجدد قيمةً تسدد للمنتجين. وفي هذا الخصوص يستعرض الكتاب مجمل المراحل التي مرت بها تعريفة التغذية منذ بدء تنفيذها عام 1978 وإلى وقتنا الحالي، كما يعرض نماذج من تطبيقات هذه السياسة في بعض الدول الأوروبية، ويحاول التعرف على أسس تصميم نظام التعريفة مع ربطه بأهداف مشروعات الطاقة المتجددة، وتحليل الآثار المالية السلبية لتثبيت قيمة التعريفة طوال مدة التعاقد، وتوضيح أسباب رفعها خلال السنوات الأولى للمشروع، ثم خفضها بعد ذلك شريطة عدم خفض العائد من المشروع. وأخيراً، يعرض هذا المحور لآليات تنمية المكونات المحلية في مشروعات الطاقة المتجددة، بما ينمي القطاع الصناعي ويزيد الإيرادات. وكما أن القانون هو الأصل في استتباب الأمن وإقامة العدل في المجتمع، فإن تشريعات الطاقة هي الأساس الذي تقوم عليه أركان أسواق الطاقة عامة، والمتجددة خاصة. وتتعاظم أهمية القوانين لأسواق الطاقة المتجددة التي لم تزل صغيرة تتلمس طريقها في كثير من الدول، إلا أن حزم الحلول التي تقدمها المصادر المتجددة يظل مرهوناً بالقوانين والتشريعات التي تقرها الدول بغية إيجاد توازن بين أطراف المصلحة. وفي صفحات كثيرة من الكتاب، نجده يتعرض لسياسات الطاقة المتجددة المطبقة في العالم العربي، والجهات المعنية بتنمية استخداماتها في المنطقة، مع تقييم لهذه السياسات. كما يقدم مسحاً شاملا لقطاع الطاقة المتجددة في الدول العربية، مبيناً نقاط قوتها والآليات اللازمة لسد ثغراتها، لعل ذلك يمهد ليوم قادم نقرأ فيه كتاباتنا على ضوء يستمد طاقته من كهرباء نظيفة صُنعت منظومتها عربياً بالكامل. محمد ولد المنى --------- الكتاب: هيكلية قوانين الطاقة المتجددة المؤلف: محمد مصطفى الخياط الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012