يعتبر مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) والفيروس المسبب له، من الأمراض الخطيرة التي تحولت مع التقدم الطبي ودخول أدوية جديدة إلى السوق، إلى ما يشبه المرض المزمن الذي يتعايش معه المريض على امتداد حياته من خلال العقاقير المضادة للفيروسات التي يتناولها وتساعد المصاب على احتواء الأعراض ومواجهة الأمراض الانتهازية. لكن هذا التقدم الطبي والاستفادة من الدواء الناجع، يبقى محصوراً في العالم المتقدم، حيث الرعاية الصحية والإمكانات المادية، بينما تبقى أفريقيا جنوب الصحراء إحدى المناطق الأقل استفادة من الاختراقات الطبية في مجال محاربة الإيدز. هذا الواقع الأفريقي المؤلم يوثقه الكاتب الأميركي من أصول نيجيرية، أوزوديما إيويلا، في كتابه الذي نعرضه هنا، "أناسُنا... تحديات قارة وآمال بلد"، محاولا من خلاله تسليط الضوء على حالة القارة الأفريقية فيما يتعلق بتعاملها مع فيروس الإيدز والمصابين به والتصورات الذهنية الخاطئة حول هذا المرض، والتي تؤثر بدورها على طرق احتوائه والتعاطي مع المصابين به. يبدأ الكاتب بتقديم الحقائق الصادمة حول المرض، إذ من بين 33 مليون مصاب بالفيروس حول العالم، تضم أفريقيا جنوب الصحراء لوحدها 28 مليون مصاب، يشكلون ضغطاً على النظام الصحي المتداعي في بلدانهم الفقيرة أصلا، هذا ناهيك عن الكلفة الإنسانية الباهظة المترتبة عن وفاة عدد كبير من حاملي الفيروس. ويعتمد الكاتب في رصده معضلة الإيدز في أفريقيا على لقاءات ميدانية مع مصابين في مختلف البلدان، وعلى حوارات أجراها مع مواطنين عاديين وأكاديميين لمعرفة الأسباب التي تجعل موضوع الإيدز في أفريقيا يُحاط بحالة من النكران والغموض، ليكتشف المؤلف أن مشكلة الإيدز ليست طبية فقط، أو مسألة ضعف إمكانات ترفع من حصيلة الوفيات، بل مشكلة يتشابك فيها الثقافي والاجتماعي لرسم صورة قاتمة عن المرض. فلاعتبارات دينية واجتماعية، يعاني المرضى من الإقصاء والإبعاد حتى قبل تدهور حالتهم، فتُفاقم الحالة النفسية المتردية للمصابين من أمراضهم العضوية التي تعجل بموتهم. ومن التصورات الذهنية المغلوطة التي ساهمت بعض الدراسات الغربية في تكريسها، الربط الحصري بين الممارسات الجنسية غير المشروعة وبين المرض، ليصبح كل المصاب مذنباً من الناحية الدينية، ومنحلا أخلاقياً من الناحية الاجتماعية. هذه الفكرة، يقول الكاتب، تنطوي على خطورة كبيرة لأنها تدفع باقي فئات المجتمع إلى إنكار المرض واعتباره دائماً مشكلة الآخرين الأقل التزاماً بالقيم، أي الذين خانوا المجتمع في قيمه وأعرافه فلفظهم هو في محنتهم ومعاناتهم. والحال، كما يوضح الكاتب، أن مثل تلك التصورات تدفع المصابين إلى الاحتماء بالسرية اتقاءً للعار والنظرة المجتمعية السلبية، مما يضاعف احتمالات العدوى وانتشار المرض. ويضيف الكاتب أن ربط الممارسة الخاطئة للجنس والضعف البشري بالمرض، جعل بعض الناس في الغرب يتساءلون عن سبب الانتشار الكبير للمرض في أفريقيا تحديداً، في تلميح إلى الممارسات الغريبة في القارة الأفريقية والتعاطي الأفريقي الخاص مع الجنس، في عنصرية مبطنة تكرر الاستعلاء الغربي تجاه الأفارقة. لكن مهما تكن التصورات الذهنية المغلوطة حول الإيدز والعقد النفسية الغربية التي يسعى إلى إسقاطها على أفريقيا، يبقى المرض كارثة إنسانية بكل المقاييس، تحصد ملايين الأرواح، حيث وصلت حصيلته في القارة خلال السنة المنصرمة، نحو مليوني شخص. التداعيات المباشرة للإيدز لا تقتصر على المصابين، بل تمتد إلى ذويهم وعائلاتهم، حيث يتعقب الكاتب قصص المرضى الذين تركوا بعد وفاتهم أبناء أصبحوا عرضة للضياع، كما أن المرض يكلف الحكومات أثماناً اقتصادية باهظة، فبتراجع القوة العاملة -بسبب المرض- تنقص الإنتاجية في البلدان الأفريقية، ويهجر الناس أراضيهم نحو المدينة طلباً للعلاج. ورغم البرامج الحكومية الساعية إلى تطويق المرض وتوعية الناس، تظل فاعليتها محدودة بالنظر إلى بعض الدعوات المضادة، سواء من رجال الدين أو من بعض رموز المجتمع التقليدي الذين يرفضون أساليب الوقاية ويعتبرونها نوعاً من الانحراف. وفي هذا السياق يشير الكاتب إلى موقف بعض قادة الكنيسة الكاثوليكية التي ترفض السماح لرعاياها باستخدام الواقي الذكري، وبعض زعماء القبائل التقليديين الذين يدعون القدرة على علاج المرض... كل ذلك، يقول الكاتب، يجعل من تجربة المرض في أفريقيا مؤلمة للغاية، حيث أخفقت المساعدات الدولية الرامية للتخفيف من حدة الإيدز في أفريقيا، باستثناء بلدان معدودة، بينما تظل غالبية بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعاني من شبح يهدد فئات واسعة من سكانها. زهير الكساب ----- الكتاب: أناسنا... تحديات قارة وآمال بلد المؤلف: أوزوديما إيويل الناشر: هاربر تاريخ النشر: 2012