على مدار العقد القادم سوف ينمو سكان العالم من سبعة مليارات إلى تسعة مليارات نسمة. وسوف يؤدي الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، الناتج عن ذلك النمو السكاني الهائل، إلى تشكيل ضغوط غير عادية على أسواق المواد الأولية، كما يمكن أن يؤدي لحدوث صراعات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، لاسيما على أساليب الوصول لتلك الموارد وطرق استغلالها والتحكم فيها. وقد انتهت"أكاديمية ترانس أتلانتك" في الآونة الأخيرة من طبع بحث علمي حول هذه الموضوعات (وكنت أحد المشاركين في إعداده)، تحت عنوان "صلة الوصل بين الموارد على المستوى العالمي: الصراع من أجل الأرض والطاقة والطعام والماء والمعادن". والنقطة الأساسية في ذلك البحث، هي أنه كي يمكن لنا تقدير التأثير الكامل للطلب المتزايد على الموارد الطبيعية المتعددة، فإن تحليلا يحدد أسس وأنماط التفاعل بينها سوف يكون ضرورياً للغاية. وإذا ما نظرنا على سبيل المثال، إلى الإنتاج المتزايد لمادتي النفط والغاز الطبيعي، في مختلف أنحاء العالم، فإننا سنجد أن تلك الزيادة الإنتاجية تمثل خبراً جيداً في حد ذاتها، إذ سوف تحيل إلى الاستيداع تلك التنبؤات المتشائمة التي سادت زمنا حول ما يعرف بـ"نقطة ذروة النفط"، ونفاذ الغاز الطبيعي من العالم. فبفضل التقنيات الحديثة أصبحنا نقرأ عن اكتشافات حديثة للنفط والغاز الطبيعي، وعلى وجه الخصوص النفط الثقيل والغاز الصخري، على نحو شهري تقريباً. لكن يجب علينا في هذا الخصوص أن نعرف بأنه لكي نتمكن من استخراج الغاز الصخري فإن هناك حاجة لاستخدام كميات ضخمة من المياه العذبة، وهو أمر يمثل مشكلة كبيرة في واقع الأمر، وذلك نظراً للحاجة الماسة إلى تلك المياه من أجل الاستخدام البشري، خاصة وأن المياه تعتبر مصدراً حيوياً لإنتاج الأغذية التي يحتاجها هذا العدد المتزايد من سكان العالم. وفي المناطق التي تقل فيها كميات المياه العذبة، مثل جنوب غرب الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط، فإن التنافس على استخراج المياه والحصول عليها، يمكن أن يتحول لمشكلة خطيرة في المستقبل. فخلال صيف عام 2011 كانت ظروف الجفاف في ولاية تكساس تعني أن منتجي الغاز الصخري والمزارعين هناك كانوا مضطرين للتنافس على الوصول لنفس مصادر المياه العذبة المتناقصة. وفي النهاية، وحلا لتلك التنافسات والإشكالات التي حدثت، تم التوصل لعدة اتفاقيات. وعلى الرغم من التزام الجميع بتلك الاتفاقيات إلا أن المحصلة النهائية كانت هي أن الإنتاج الصافي للغاز في تلك المنطقة قد انخفض، كما فقد المزارعون هناك محاصيلهم وماشيتهم، أي أن النتيجة كانت سلبية في العموم. وهناك مثال آخر على تلك التغييرات يتعلق بـ"ثورة الوقود الحيوي". فمن المعروف أن أنواع الوقود الحيوي، يتم إنتاجها من بعض مكونات "الكتلة الحيوية"، مثل قصب السكر، والذرة، والعلف، والأشجار، والحشائش (نظرياً حتى الآن بالنسبة للمكونين الأخيرين). وأهم استخدم للوقود الحيوي هو استخدامه كمكمل للبنزين في السيارات. وقد كانت البرازيل رائدة في استخدام أنواع الوقود الحيوي في تلك الأيام التي كان عليها أن تستورد كل ما تحتاج إليه من نفط من الخارج. ومنذ ذلك الوقت أصبح الوقود الحيوي بمثابة إضافة واسعة الاستعمال في البرازيل، والولايات المتحدة، وأوروبا. وعلى الرغم من أن أنواع الوقود الحيوي تعتبر مصدراً مستداماً للطاقة، إلا أنها هي ذاتها تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة من أجل إنتاجها. وفي حالة الوقود الحيوي المستخرج من الذُّرة على وجه الخصوص، فإن الوقود في هذه الحالة يتنافس مع المنتجات الغذائية في وقت يعاني فيها العالم من أزمة غذاء واسعة النطاق ومن طلب متزايد على محصول الذُّرة تحديداً. ومن هنا أصبح البعض ينظرون إلى ازدهار أنواع الوقود الحيوي على أنه من مسببات ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهذا ما تترتب عليه بدوره أصداء وتداعيات سياسية واسعة النطاق. وهناك أدلة قاطعة على أن الزيادة في استخدام أنواع الوقود الحيوي كانت سبباً من أسباب الزيادة الكبيرة في الأسعار، والتي أدت إلى الانتفاضات التي وقعت في بعض الدول العربية خلال عامي 2011 و2012 . وهناك تناقضات أخرى في عالم الموارد يمكن لنا استكشافها في الصراع المتوقع على استخدام المياه العذبة، خصوصاً الأنهار الكبرى، لري الأراضي من جانب ولتوليد الطاقة الكهربائية من الشلالات والسدود المائية المقامة في مجرى تلك الأنهار من جانب آخر. وهذا الأمر يمثل سبباً ضمن الأسباب الداعية للقلق في دول شمال شرق أفريقيا، حيث يعتمد عدد من الدول هناك على نهر النيل في البقاء. كما أن هذا الأمر يمثل موضوعاً من الموضوعات التي يثور بشأنها النزاع بين الصين وجيرانها الجنوبيين، حيث تنشأ المنازعات والخلافات حول السيطرة على نهر ميكونج ودلتاه، في الوقت الراهن ويمكن أن تترتب عليها تداعيات في غاية الخطورة مستقبلا. إن ما يعنيه ذلك هو أنه من المستحيل تقريباً تحليل تأثير الزيادة المتنامية في الطلب على مصدر معين من المصادر الطبيعية، دون الأخذ في الاعتبار كيف يمكن أن يؤثر ذلك بطريقة سلبية على إمدادات المصادر الأخرى. وبدون حوكمة أفضل للموارد المتعددة، فإن البحث المحموم عن مصادر جديدة للطاقة، وعن الأرض والمياه، يمكن أن يقود إلى الصراعات، بل وإلى الحرب بين الدول في بعض الأحوال. هذا وتشكل النزاعات في بحر الصين، على سبيل المثال، مؤشراً على ما يمكن أن يحدث في المستقبل حيث يمكن أن يؤدي مزيج من النزاعات والصراعات على حقوق الصيد، وحقوق التنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، إلى توفير الظروف التي تؤدي لنشوب الصراعات والحروب بين الدول المتجاورة في كل منطقة، وهي دول تتمتع جميعاً بنزعات قومية قوية، وتسعى جاهدة لبناء جيوشها الوطنية لحماية ما تعتقد أنه مواردها الخاصة التي لا يجب أن ينازعها فيها أحدٌ.