بعد أربع سنوات تقريباً من بداية الأزمة المالية العالمية وتكبد مؤسسات وبلدان العالم، بما فيها الصناديق السيادية، خسائر جسيمة، استطاعت معظم هذه الصناديق، وبالأخص الخليجية منها، لملمة خسائرها والانطلاق مجدداً للاستفادة من الفرص التي توفرها الأزمة رغم عواقبها المؤلمة، حيث أضحت هذه الصناديق في فترة ما بعد الأزمة أكثر توازناً في توجهاتها الاستثمارية. وفي الوقت نفسه، شكلت الأزمة تجربة غنية للصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي والتي استعادت جزءاً كبيراً من خسائرها الدفترية، في حين تبخرت خسائر أخرى، إما بفعل انهيار بعض المؤسسات المالية الأميركية والأوروبية، أو بسبب كثافة الاستثمار في صناديق التحوط عالية المخاطر. وضمن الاستفادة من هذه التجارب، تأتي عملية زيادة التنوع في الاستثمارات الخارجية للصناديق السيادية الخليجية، ليس من خلال التنوع الاستثماري القطاعي فحسب، وإنما عبر إعادة التوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات. وإذا ما تناولنا التقرير السنوي الأخير لصندوق أبوظبي للاستثمار، والذي يعتبر أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم وأكثرها شفافية بفضل تقريره السنوي، فسنرى حدوث تنوع مهم خلال السنوات الأربع الماضية، من الناحيتين القطاعية والجغرافية، حيث ارتفعت الاستثمارات في اقتصادات البلدان الصاعدة، كالصين والهند، كما ازدادت الاستثمارات في القطاع العقاري لتصل ما نسبته 11 في المئة. أما الصندوق السيادي القطري، فتحول في غضون السنوات القليلة الماضية إلى أكبر مستثمر عقاري في السوق البريطانية، خاصة بعد شرائه متاجر "هارودز" الشهيرة وسط العاصمة البريطانية لندن. كما ارتفعت موجودات "سامبا" السعودية إلى 560 مليار دولار تقريباً. وفي الكويت وجّه المزيد من الاهتمام للتنوع القطاعي، إذ تم تأسيس شراكة كويتية صينية لإقامة مشاريع بتروكيماوية في الصين بتكلفة 9 مليارات دولار، بينما حقق الصندوق العماني مكاسب مهمة عبر استثماراته في شرق آسيا. الاستثناء في هذا الجانب يخص "ممتلكات" الصندوق السيادي لمملكة البحرين، والذي تتوالى خسائره السنوية لتبلغ رقماً قياسياً العام الماضي يصل 717.6 مليون دولار بزيادة 15.5 في المئة على خسائر عام 2010، وذلك لأسباب هيكلية، علماً بأن هذا الصندوق يملك إمكانات كبيرة للنمو والتوسع والتنوع الاستثماري. وعادةً ما تشير إدارة الصندوق إلى تحملها خسائر "طيران الخليج" المملوكة للمجموعة، والتي ارتفعت من مليون دولار يومياً قبل عامين إلى أكثر من مليونين ونصف المليون دولار حالياً، بينما تملك "ممتلكات" مؤسسات مهمة ومربحة، كشركة المنيوم البحرين "البا" وتعتبر مساهماً كبيراً في العديد من الشركات المربحة. لذلك فإن خسائر "ممتلكات" لا يمكن تبريرها بسبب تغطيتها تكاليف تشغيل "طيران الخليج" وحدها، والتي تعتبر خسائرها البالغة 750 مليون دولار سنوياً غير مبررة في ظل أرباح شركات الطيران الخليجية الأخرى، وبالأخص في الإمارات وقطر، إذ إن مشكلة "ممتلكات" تتعدى خسائر طيران الخليج لتشمل مشاكل هيكلية وإدارية تعانيها المجموعة. لقد اكتسبت الصناديق السيادية الخليجية خبرات مهمة خلال العقود الماضية، وبالأخص بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بينما عانى بعضها من أحداث خطيرة تتجاوز ما تعانيه "ممتلكات"، كتلك التي واجهها الصندوق الكويتي أثناء الغزو العراقي للكويت 1990، حيث يمكن لهذه الصناديق تبادل التجارب التي مرت بها للمساهمة في حل أزمة "ممتلكات" وإعادة هيكلتها وعودتها للربحية والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتوافرة في الأسواق العالمية حالياً. د.محمد العسومي