بعد مرور ستة أشهر على وجودي في منصب رئيس الأركان، أستطيع أن أرى بوضوح أن العقد القادم سيكون بمثابة مرحلة انتقالية حيوية للجيش الأميركي. وسيتعين على القوات المسلحة أن تتكيف على ثلاثة تغييرات رئيسية: الميزانيات المتقلصة بسبب الموقف المالي المتدهور، وتغيير محور التركيز إلى منطقة آسيا- الباسيفيكي ومحور تركيز آخذ في التوسع من مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب، وتدريب الشركاء على تشكيل البيئة الاستراتيجية، والحيلولة دون اندلاع الصراعات الإقليمية الخطرة، وتحسين استعداد الجيش إلى الاستجابة بقوة لطائفة من الحالات الطارئة في مختلف أنحاء العالم. ولضمان أن الميزانيات المتقلصة لن تؤدي لقصور في التدريب والمعدات فإن الحاجة ستستدعي تخفيض حجم الجيش العامل. وهذه العملية مؤلمة، ولكنها ضرورية ويجب أن نقوم بها على نحو مسؤول. والتخفيض يجب أن يطال حجم الوحدات وأعداد الجنود حتى لا تعاني الوحدات نقصاً في الأفراد وتفقد فعاليتها نتيجة لذلك. وعلى الرغم من أن الاحتفاظ بجيش عامل أصغر حجماً ينطوي على مخاطر، فإن تلك المخاطر ستكون أصغر كثيرا مما يعتقد البعض بسبب التطورات التي مر بها الجيش خلال السنوات الأخيرة، وجعلت منه جيشاً أكثر تمرساً على القتال، وأكثر تماسكاً واندماجاً مع القوات الأخرى التي تتكون منها القوات المسلحة، وأكثر اعتماداً على عمليات القوة الخاصة، وأكثر تطوراً من الناحية التقنية. ليس هذا فحسب، بل أصبح هذا الجيش يتمتع بمستوى غير مسبوق مع التكامل بين مكوناته العاملة وتلك الاحتياطية، التي أصبحت قادرة على العمل معاً جنباً إلى جنب في عمليات ذات طبائع مختلفة تمتد على اتساع المعمورة، وهو ما أدى من ناحية أخرى لزيادة درجة الثقة، والاحترام والتفاهم المتبادل على نحو لا نظير له في تاريخ هذا الجيش. وما أود التركيز عليه في هذا السياق، وفيما يتعلق بتقليص الميزانيات العسكرية هو أن تراعى الركائز الثلاثة التالية عند النظر في ذلك: أولاً- الحجم الكلي للقوة. ثانياً- معداتها. ثالثاً- تدريبها، واستعداداتها. تلعب الولايات المتحدة دوراً حيوياً كضامن رئيسي للاستقرار في منطقة آسيا- الباسيفيكي. ولهذا السبب فإن وجود قوة مشتركة متماسكة هناك يعتبر جزءاً مهماً من استراتيجيتنا الإقليمية الأوسع نطاقاً. وتعتمد الولايات المتحدة في تنفيذ تلك الاستراتيجية على القوات البحرية والقوات الجوية التي تمتلك القدرة على توجيه ضربات سريعة وعلى تمهيد الظروف لدخول الجيش والمارينز لمسرح العمليات إذا ما نشب صراع واسع النطاق يتطلب ذلك. علاوة على ذلك فإن وجود وحدات من الجيش الأميركي في هذه المناطق يعتبر أمراً في غاية الأهمية لتحقيق الردع والحيلولة دون وقوع أي عدوان. ويمكن تدعيم وضع قوات الجيش في تلك المناطق من خلال الدخول في شراكات وثيقة مع جيوش الدول الحليفة والصديقة في تلك المناطق. ومبادرة التدريب المشترك مع أستراليا المعلن عنها في الآونة الأخيرة أظهرت بشكل جلي الالتزام الأميركي المتجدد تجاه تلك المنطقة المهمة من العالم. فتلك المبادرة تضاف إلى الشراكة طويلة الأمد بين الجيش الأميركي والجيش الكوري الجنوبي ومع الجيش الياباني والتايلاندي وكذلك المهام التدريبية للقوات الخاصة في الفلبين. وعلى مدار العقد القادم سوف يبني الجيش الأميركي على هذا الأساس المتين في السعي من أجل فرص للتعاون مع شركاء جدد. وفي الوقت نفسه الذي يقوم فيه الجيش الأميركي بزيادة أنشطته في منطقة الباسيفيكي، فإنه سيعمل على المحافظة على مهامه الجوهرية في أماكن أخرى من العالم. فوجود قوات أميركية في بعض مناطق الشرق الأوسط أمر في غاية الأهمية للمحافظة على الاستقرار الإقليمي هناك خصوصاً وأن السلام بين إسرائيل وجيرانها ما زال يمثل هدفاً مراوغاً، كما لا تزال التصرفات الإيرانية استفزازية ومهددة للاستقرار. يضاف لذلك أيضاً أن اتجاه تيار "الربيع العربي" الذي ضرب المنطقة خلال العام ونصف العام المنصرمين ما زال غير محدد لدرجة كبيرة. وفي الجزء الأكبر من أفريقيا والأميركيتين وغيرهما ما زالت القوات العسكرية الغالبة في تلك المناطق هي قوات الجيوش، وهو ما يمنح الجيش الأميركي درواً مهماً يلعبه في إطار الانخراط العسكري الأميركي المتواصل هناك. وفي الوقت الراهن تكتشف الولايات المتحدة فرصاً جديدة لتعزيز دور قواتها هناك في عمليات حفظ السلام والفصل بين المتحاربين في العديد من مناطق القارة. وفي أوروبا ستكون علاقاتنا مع شركائنا في القارة القديمة أكثر أهمية مع ميل العديد من الدول الحليفة هناك لتقليص نفقاتها الدفاعية. في هذا السياق ينوي الجيش الاستمرار في الاستثمار في المراكز اللوجستية، ومنشآت الاستخبارات، والقدرات الطبية المتطورة، وأراضي التدريب وهي كلها عناصر تلعب أدواراً في غاية الأهمية كمضاعفات للقوات الأميركية المشتركة والأنشطة العسكرية الحليفة، سواء داخل حدود القارة أو فيما وراء تلك الحدود. في الداخل الأميركي ذاته ما زالت التحديات التي تواجه الجيش كبيرة وعلى الرغم من أن أنشطة قواتنا فيما وراء البحار قد ساعدت على استبعاد احتمال وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية، إلا أن التهديد ما زال قائما وهو ما يستلزم تواصل جهود الاستعداد واليقظة التامة. التحول النهائي الكبيرهو تحول القوات الأميركية من قوات مناوئة للإرهاب والتمرد ومنخرطة في تقديم الاستشارات والتدريب لجيوش الدول الصديقة والحليفة إلى قوة تنشط في مجال اتخاذ الاستعدادات لإجراء مدى أوسع من المهام المحتملة. وخلال العقد القادم سيعمل الجيش على جعل مهمة إدماج قدرات حرب فضائية إلكترونية في وحداته التكتيكية والعملياتية من ضمن أولوياته الرئيسية. في نهاية المطاف يحتاج الجيش الأميركي إلى الاستعداد لعمل طائفة من الأشياء المختلفة في وقت واحد. فبالإضافة للعمليات القتالية بكافة أنواعها، فإن السنوات القادمة ستشمل عمليات تغطي كل شيء بدءاً من مساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية، إلى استعادة النظام والقانون في الدول التي تنهار فيها سلطة الدولة، بالإضافة للتصدي لطائفة واسعة من الأنشطة الإجرامية وأعمال العنف. لقد قال الفيلسوف الإنجليزي الشهير "توماس بيكون" ذات مرة إن الأشياء تتدهور نحو الأسوأ فوراً إذا لم يتم العمل عن قصد وتصميم من أجل جعلها تتطور نحو الأفضل. والجيش الأميركي عاقد العزم على تصميم مستقبل أفضل مع أخذ محددات العمل والمتطلبات التي يواجهها في الحسبان في الوقت نفسه. --------- رايموند تي. أوديرنو رئيس أركان الجيش الأميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"