جمعت المراسلات بين فرويد وآينشتاين أيام النازية بعنوان "أفكار في زمن الموت"، وهي كذلك هذه الأيام مع اللحظات العصيبات في سوريا، فثمة الكثير من الحكمة في لحظات الموت، لعل أعظمها ما ذكره القرآن حين حضر يعقوبَ الموتُ؛ فلنقرأ ما ذكره القرآن: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون". منظر رائع أليس كذلك؟ لم يحدثهم كم ترك من عقارات وتجارة يخشى كسادها ومساكن طيبة والحرث والأنعام. الشيء الوحيد الذي أراد أن يتأكد منه، من يعبدون. إنه يخاف السقوط في رذيلة عبادة أصنام البشر الحية والميتة، كما نرى في عبادة بشار الأسد من العصابة الحاكمة وكثير ممن حق عليهم القول. هناك نماذج لم يَصْدقْ ما قالوه. لم يصدق بيتهوفن في جزء كبير من وداعه، حيث قال: لقد انتهت كوميديا الحياة. كما لم يتحقق الكاتب الفلولوجي "كورنيليوس" من صحة قول الشاعر"هاينه": ليسامحني الرب فهذه هي وظيفته! كما لم يصدق ما قاله الشاعر "جوته" عن حديثه عن الظلمة والنور، كما رواه عنه طبيبه الخاص، الذي لم يكن عند سرير موته، بل زوجة ابنه التي روت شيئاً مختلفاً. يبدو أن النهايات كانت أبسط مما نتصور، فقد طلب تشيخوف قدحاً من الشمبانيا، وقالت "مارلين ديتريش": إنني أمضي الآن، أما تولستوي فصرخ: ها أنا أموت مثل أي فرح روسي، بينما طلب "توماس مان" نظارته قبل أن يطبق الظلام على كل نور عينيه. وبالمقابل هناك صنف آخر من الكلمات الأخيرة؛ فقد نطق "أديناور": لا ثمة داع للدموع، كما صاحت "كوكو شانيل": انظروا هذا هو الموت أخيراً. أما الفكاهي "جروشو ماركس" فنُقل عنه طلبه أن يكتب على قبره: اعذروني ألا أقوم لاستقبالكم، أنا ميت. كما نُقل عنه قوله لزوجته التي تصغره بخمسين عاماً: إنني أموت، إنه آخر عمل أفعله لك حبيبتي! وأحياناً نقرأ عن أناس اعترفوا في آخر لحظة من حياتهم، مثل قيصر الإمبراطورية الرومانية المقدسة جوزيف الثاني، حين أوصى بكتابة العبارة التالية على قبره: هنا يرقد القيصر جوزيف الذي كان خائباً في كل مشاريعه. أما الأروع، فهو فيلسوف التنوير إيمانويل كانط الذي ترك حتى اليوم فوق شاهدته هذه العبارة: شيئان يملآن قلبي بالإعجاب؛ السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي والقانون الأخلاقي في ضميري. وأذكر قريبتي "حليمة" التي خطفها الموت بسرطان الدم مبكراً، وكتبت على قبرها: أيها المار على قبري توقف قليلاً، واقرأ السبع المثاني على قبري بروية، البارحة كنت مثلك واليوم تحت التراب تمر علي. ويروى عن صلاح الدين الأيوبي في لحظات وداعه الأخيرة أنه أوصى أولاده بالكف عن الدماء وقال: عفّوا عن الدماء فإن الدماء لا تنام. ويا ترى كيف يتوقع الحاكمون في دمشق أن تنام دماء السوريين؟ في توقعي أننا سنكون أمام سيناريو آخر شبيه بنهاية القذافي الذي أبى إلا أن يختم حياته ومن حوله بدم قان لا يسر الناظرين. مررت على مقبرة في حي الميدان بدمشق، فقرأت التالي على قبر: دفن الجسم بالثرى ليس بالجسم منتفع إنما النفع بالذي كان بالجسم وارتفع أصله جوهر نفيس وإلى أصله قد رجع هل يفكر يا ترى الأسد وأمثاله بالنهاية والثرى؟ نستذكر قوله تعالى "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد".