تتعرض حالياً اللجنة الأولمبية الدولية، المنظمة لدورة الألعاب "لندن 2012"، إلى هجوم شديد من العديد من أفراد المجتمع الطبي، ومن المؤسسات المهنية، والمنظمات العاملة في مجال الرعاية الصحية، بسبب اتفاقيات الرعاية التي عقدتها اللجنة مع العديد من الشركات، التي يرى البعض أن منتجاتها وبضائعها تتعارض مع روح الرياضة، وتتصادم مع الدعوات لتبني نمط حياة صحي. قائمة هذه الشركات الراعية والمستهدفة من تلك الانتقادات، تتضمن سلسلة إحدى المطاعم السريعة الأميركية الشهيرة، والتي حظيت بالحقوق لبيع منتجاتها، بالإضافة إلى الحقوق الحصرية لبيع "البطاطس المقلية" أثناء فترة دورة الألعاب، ومنع أي من شركات الوجبات السريعة الأخرى من بيع منتجاتها خلال الفترة نفسها داخل المنشآت الأولمبية، وإحدى شركات المشروبات الغازية الشهيرة والأميركية أيضاً، بالإضافة إلى شركة هولندية حظيت بحقوق التوزيع الحصري للجعة، والتمتع بلقب"البيرة الرسمية" للألعاب الأولمبية. وليس بالخفي على الغالبية العظمى منا، فقدان الأطعمة سابقة الذكر لقيمة غذائية حقيقة، بالإضافة إلى احتوائها على كميات هائلة من السعرات الحرارية، وليس بالخفي أيضاً الضرر الصحي الفادح الذي يحدثه شرب الكحوليات، وخصوصاً بين الشباب والمراهقين. ومن المعروف أيضاً حجم ومدى انتشار منتجات تلك الشركات، ومثيلاتها الأخرى، وهو الحجم والمدى الذي يتضح مثلاً من حقيقة أن سلسلة المطاعم المشار إليها تمتلك أو تدير أكثر من 33 ألف مطعم حول العالم، وتزيد مبيعاتها ودخلها السنوي عن 24 مليار دولار، أما شركة المياه الغازية فتزيد مبيعاتها ودخلها السنوي عن 46 مليار دولار، أما الشركة الهولندية فتبلغ مبيعاتها ومنتجاتها 17 مليار دولار فقط، ضمن صناعة كحوليات دولية تتخطى قيمتها مئات المليارات من الدولارات. ولكن إن كانت هذه المنتجات موجودة ومنتشرة، فلماذا هذا الهجوم والانتقاد حالياً؟ إجابة هذا السؤال تقع في شقين، الأول يتعلق بوباء السمنة العالمي، أما الثاني فيتعلق بالثمن الإنساني والاقتصادي الفادح، الذي تعاني منه العديد من المجتمعات من جراء الإفراط في شرب الكحوليات، وخصوصاً بين المراهقين والشباب صغار السن. حجم الوباء العالمي من السمنة، يتضح على سبيل المثال من بعض الحقائق التي تخص بريطانيا- الدولة التي ستستضيف الألعاب الأولمبية خلال الأسابيع القادمة- حيث تظهر الإحصائيات أن واحداً من كل أربعة من البريطانيين مصاب حالياً بالسمنة، وهو ما يكلف نظام الرعاية الصحية البريطاني أكثر من 6.5 مليار دولار سنوياً، ومع التوقع بأن ترتفع نسبة المصابين بالسمنة في بريطانيا لتبلغ واحداً من كل اثنين بحلول عام 2030، يقدر بأن هذه التكلفة ستتضاعف هي الأخرى. ولا يقتصر هذا الوضع المؤسف على بريطانيا فقط، أو على البالغين، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من عشرين مليون طفل حول العالم يعانون حالياً من زيادة الوزن، وهو العدد الذي يرتفع إلى أكثر 1600 مليون شخص فوق سن الخامسة عشرة، 400 مليون منهم لا يعانون فقط من زيادة الوزن وحده، بل ومن السمنة المفرطة في أقصى درجاتها أيضاً. وبالنسبة للكحوليات، فيكفي مراجعة بعض الحقائق الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والتي تؤكد على أن الإفراط في شرب الكحوليات يتسبب في 2.5 مليون وفاة سنوياً، منها 320 ألف وفاة في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاماً، مما يجعل الإفراط في شرب الكحوليات مسؤولاً عن 9 في المئة من جميع الوفيات بين أفراد هذه الطائفة. وتضع المنظمة الإفراط في شرب الكحوليات في المرتبة الثالثة عالمياً ضمن قائمة عوامل الخطر ذات العبء المرضي الأكبر، حيث يحتل الإفراط في شرب الكحوليات المرتبة الأولى في منطقة غرب المحيط الهادي والأميركيتين، والمرتبة الثانية في دول أوروبا، على قائمة عوامل الخطر المتسببة في العبء المرضي الأكبر. وبخلاف التأثير الصحي المتعدد الجوانب والتأثيرات للإفراط في شرب الكحوليات، يرتبط هذا السلوك أيضاً بالعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، مثل العنف وجرائم القتل، وإساءة معاملة الأطفال وإهمالهم، والغياب عن العمل وفقدان الإنتاجية. وأمام هذه الحقائق عن وباء السمنة، وعن تأثير الكحوليات، أليس من المستغرب أن ترتبط هذه الأشياء بحدث رياضي، المفروض فيه أن يسعى لنشر الثقافة الصحية، ونمط الحياة الصحي. ولكن هذه الحقيقة بالتحديد هي التي دفعت تلك الشركات إلى الانضمام للبرنامج الأوليمبي للرعاية، والذي يكلف أعضاءه 50 مليون دولار، ويمنحهم الحق في استغلال الشعار الأولمبي في الدعاية لمدة أربع سنوات. فمن خلال ربط هذه المنتجات غير الصحية، بحدث رياضي يظهر الصحة، والرشاقة، والقوة، والسرعة، والمهارة، ترتبط تلك الصفات في اللاشعور لدى الكثيرين، وخصوصاً بين الأطفال والمراهقين، بهذه المنتجات. تلك الاستراتيجية التسويقية تشهد تزايداً مضطرداً، من خلال تخصيص شركات المطاعم السريعة، والمشروبات الغازية المكتظة بالسكريات، ومشروبات الطاقة المكتظة هي الأخرى بالسكريات بالإضافة إلى كميات هائلة من الكافيين، وصناعة تصنيع وتوزيع وبيع الكحوليات، بالأحداث الرياضية. فعلى الرغم من أن غالبيتنا يدرك الضرر الصحي لتلك المنتجات، إلا أنه بعد فترة، قد تكون أياماً، أو شهوراً، تؤثر البصمة الخفية التي تركتها تلك الدعاية في منطقة اللاشعور في أفعالنا وقرارتنا، وشراء تلك المنتجات، ومن ثم إدراج أسماء جديدة لاحقاً ضمن إحصائيات السمنة، وبين ضحايا إدمان الكحوليات. د. أكمل عبد الحكيم