كتبنا مراراً في هذه الزاوية عن اللاحسم والغموض، وعن اللاعبين الدوليين واللاعبين الإقليمين، وعن الصراع الدائم في منطقتنا. هذه الظواهر لا شك تزيد من تعقيد الحبكة المعقدة أصلاً، ثم أطل "الربيع العربي" الذي يستمر في التفاعل ويلقي بظلاله الكبيرة على المنطقة العربية الممتدة من المغرب إلى اليمن. ومع "الربيع العربي" كان التغيير الظاهري والأهم من ذلك ظواهر عديدة طفت على سطح المنطقة وغيرت الكثير من المعطيات والثوابت التي ظلت راسخة لعقود. بات من المسلمات أننا نعيش مع كل دخول كل صيف أجواء مناخية وسياسية ساخنة. ويبدو أنه صيف بعد صيف تزداد السخونة مناخياً وسياسياً. هذا الصيف لم يشذ عن تلك الظاهرة... فإيران عادت لنغمة التهديد بإغلاق مضيق هرمز، وكأنه بات ملكاً حصرياً لها! وحشد "الآرمادا" الغربية يزداد ويتوسع ويتنوع بقيادة واشنطن. وسوريا تستمر بالنزف بمجازر متنقلة شهدنا أبشعها وأكثرها وحشية في الأسبوع الماضي في التريمسة التي ذهب ضحيتها المئات بين قتيل وجريح تزيد من عزلة وحصار ويأس النظام مع انشقاقات نوعية في السلكين العسكري والدبلوماسي. والرئيس المصري الجديد محمد مرسي في تأكيد لمحورية ومركزية دول مجلس التعاون الخليجي، اختار المملكة العربية السعودية تكون أول محطة لزيارته الخارجية، وأكد على أهمية أمن الخليج الذي وصفه بأنه خط أحمر. والرئيس السوداني عمر البشير حذر أن حرارة هذا الصيف الحار ستشوي "شذاذ الأفق" ومن ينادي بإصلاحات ويطالب برحيل نظامه، دون أن يعتبر ممن سبقه، وماذا حل بهم في لحظة تاريخية هي لحظة الشارع والشباب والحراك الثوري العربي. وحتى الأردن شهد على خلفية تعديل الدوائر الانتخابية رفع سقف المطالب الشعبية وخرق الكثير من المعطيات في مملكة تعيش وضع متململ. وكان ملفتاً انعكاس الشأن السوري على الأردن في مشاجرة شاهدها الآلاف على "اليوتيوب" و250 صحيفة ووكالة صحافة بثت خبر وفيديو لنائب أردني حالي يرمي حذاءه ويُشهر مسدسه على الهواء مباشرة في برنامج حوار سياسي بوجه نائب أردني سابق يدافع عن النظام السوري. ولم ينته الأسبوع قبل أن يتوفى الكاتب الصحفي المصري، والقيادي الناصري "عادل الجوجري"، الذي دأب على الدفاع عن النظام السوري، أصيب بجلطة دماغية على الهواء خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني على قناة "الحدث" العراقية، بسبب انفعاله خلال البرنامج. هل كل تلك الأحداث كانت صدفة أم بسبب الصيف وحرارته اللاهبة التي تجاوزت الخمسين لأيام عديدة عندنا في الكويت في الأسبوع الماضي؟ والصيف لا يزال فيه أكثر من شهرين وخبراء الأرصاد الجوية يخبروننا بتوقع المزيد من موجات الحر في الأسابيع المقبلة تزامناً مع بدء شهر رمضان المبارك. وبرزت ليبيا في هذا الصيف مع إعلان نتائج الانتخابات بمفاجأة الخروج عن ظاهرة الاكتساح الإسلامي لصناديق الاقتراع. وذلك بعد فوز التحالف الوطني المعتدل بزعامة محمود جبريل رئيس الوزراء السابق، على الأحزاب الإسلامية وكسرت بالتالي السيطرة الإسلامية التي برزت كظاهرة ملفتة كنتاج "للربيع العربي"... والسؤال كيف ستؤثر نتيجة وقف المد الإسلامي كنتيجة للانتخابات الليبية على ظاهرة الإسلام السياسي في دول "الربيع العربي"؟ ويزداد هذا الصيف الساخن سخونة على إيقاع إرهاصات المواجهات وطبول الحرب التي تُقرع في منطقتنا على خلفية المواجهة والتصعيد بين المجتمع الدولي وإيران حول برنامجها النووي وتطبيق أقصى العقوبات على إيران ببدء مقاطعة النفط الإيراني لدول الاتحاد الأوروبي الـ"27" مما يحرم إيران من مليون برميل نفط يومياً. ويتم إخضاع إيران بأقسى أنواع العقوبات الدولية بعد أن فقدت خمسين بالمائة من صادراتها النفطية وتراجع دخلها بـ 50 في المئة بسبب العقوبات الأوروبية وخفض استيراد النفط الإيراني ولجوء بعض الدول مثل الهند وتركيا لمقايضة شراء النفط الإيراني بالذهب بسبب العقوبات على القطاع النفطي والغاز وعلى البنك المركزي. وسط ذلك الوضع الصعب يرفض مرشد الثورة الإيرانية الإقرار بتأثير العقوبات ويفاخر بأن"الأمة الإيرانية من خلال الحياة والثروة والأحباب وقفت أمام كل المؤامرات والعقوبات وتقدمت إلى حد أننا أصبحنا اليوم أقوى 100 مرة مقارنة بما كنا عليه قبل 30 عاماً"! ويمضي أن العقوبات التي فرضت على إيران خلال ثلاثين عاماً زادت من مناعة وتحصين إيران. في المقابل، ومع تكرار إيران تحذيرها بإغلاق مضيق هرمز، أرسلت أميركا في خطط استباقية، ولأول مرة تحشد في الخليج العربي وحوله أربع حاملات طائرات نووية هي حاملة الطائرات "أيزنهاور" وحاملة الطائرات "ستينيس" وحاملة الطائرات "انتربرايز" وحاملة الطائرات "إبراهام لنكولن" ستكون كلها بحلول أغسطس القادم في وضع استعداد في الخليج العربي برفقة الأساطيل المرافقة لحاملات الطائرات، وكذلك أرسلت واشنطن لمنطقة الخليج العربي غواصات صغيرة تعمل بالريموت وتغوص تحت البحر لتعطيل الألغام وكذلك ضاعفت واشنطن من عدد كاسحات الألغام لنزع كاسحات الألغام الإيرانية بسرعة. ووجهت الولايات المتحدة الأميركية طائرات F22 و F15C في قاعدتين في الخليج، وكل ذلك للردع والتصدي لأي مغامرة أو مواجهة إيرانية. لم يعد مقبولًا ولا مستساغاً استمرار إيران بتهديدنا كما فعلت ثلاث مرات منذ مطلع هذا العام بإغلاق مضيق هرمز واستخدامه كورقة استفزاز وضغط على دول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي. هذه التهديدات غير المسؤولة هي خرق للقانون الدولي ولقانون أعالي البحار وللجيرة، ويهدد الأمن والاستقرار الدوليين. لأنه لا تملك أي دولة المضائق. وأهمها مضيق هرمز. يجب ألا يبقى مضيق هرمز رهينة وورقة تستخدمها إيران في حربها النفسية. لذلك كان مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء وتشغيل خط أنبوب النفط أبوظبي- الفجيرة الذي بدأ العمل به منذ الشهر الماضي بطاقة 1.5 مليون برميل نفط يومياً. وبالتالي تم تجاوز عنق زجاجة مضيق هرمز في خطوة إستراتيجية تحسب لدولة الإمارات العربية المتحدة لتحرر نفطها من تهديدات إيران. في المقابل عادت المملكة العربية السعودية وشغلت خط أنابيب الخليج- البحر في التفاف على التهديدات الإيرانية. لكن هذه المبادرات الفردية من الإمارات والسعودية على أهميتها ليست بديلاً عن عمل جماعي وإستراتيجي خليجي يحرر النفط الخليجي من الابتزاز الإيراني ويحرق ورقة مضيق هرمز ويبعد العسكرة عن الخليج. على دول الخليج أن تبدأ بالتفكير وتنتهج نهجاً إستراتيجياً يرتقي للتحديات ومطالب الانتقال من التعاون للوحدة في أهم مصدر دخل لدولنا وشعوبنا.