أشارت النتائج الأولية غير الرسمية إلى أن التيار الليبرالي والعلماني (تحالف القوى الوطنية) بقيادة محمود جبريل قد حقق انتصاراً كاسحاً في مواجهة "الإخوان المسلمين" في أول انتخابات برلمانية تشهدها ليبيا منذ ستة عقود. نتائج انتخابات ليبيا أعادت الثقة لنا نحن أنصار الدولة المدنية الديمقراطية الذين شعرنا بالإحباط من نتائج الثورات الشبابية في الوطن العربي (الربيع العربي)، لأن الشعارات الداعية إلى الديمقراطية والتعددية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان، تحولت بعد الانتخابات الحرة إلى صعوبات لتيارات الأصولية الإقصائية في كل من مصر وتونس، لذلك تأتي نتائج انتخابات ليبيا لتؤكد بأن ليس كل شعوب دول "الربيع العربي" تتوق للحكم الإسلامي تحت لواء "الإخوان المسلمين". والسؤال: لماذا جاءت نتائج انتخابات ليبيا مغايرة لما حدث في كل من تونس ومصر من فوز الأصولية الإسلامية وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"؟ وما هي الأسباب التي أبعدت شبح الأصولية عن ليبيا شعبياً؟ هنالك أسباب عديدة، أولها أن الشعب الليبي استفاد من تجربة أشقائه في كل من تونس ومصر... وكيف أن النظام الدستوري الديمقراطي قد تعثر بسبب إصرار "الإخوان المسلمين" في مصر على الاستحواذ على كل مؤسسات الدولة... فبعد فوزهم في المجلس التشريعي ووصولهم للرئاسة، يحاولون اليوم الهيمنة على السلطة القضائية التي تحمي النظام الدستوري وتحافظ على دولة المؤسسات. وثاني هذه الأسباب أن نظام ليبيا الشعبوي السابق استغل الدين والعروبة والوحدة الأفريقية لتبرير استمرار نظامه الاستبدادي القمعي، مما خلف نفوراً واشمئزازاً من الشعارات الدينية التي رفعها نظام المقبور القذافي، لذلك رفض الشعب الأصولية الإسلامية التي رفعت مرة أخرى الشعارات الدينية. أما السبب الثالث فهو أن قادة قوى التحالف الوطني الذي يتشكل من حوالى 660 حزباً وتجمعاً سياسياً، منهم الليبراليون والعلمانيون والقوميون والوطنيون والإسلاميون المعتدلون... أدار العملية الانتخابية بمهارة عالية، مركِّزاً على القضايا التي تهم الشعب الليبي وهي تحديداً الصحة والتعليم والخدمات وتحسين الطرق والبنية التحتية في ليبيا، فلديهم مشروع نهضوي وتنموي يهتم بإعادة إعمار ليبيا وتحسين المعيشة للفرد الليبي. ليبيا بلد عربي نفطي غني، من حق شعبه أن يعيش حياة مرفهة وكريمة بعد أن أهدر القذافي أموال الشعب في ثورته الخضراء وكرسي ملك ملوك أفريقيا. إن الشعب الليبي مسلم، محافظ، وليس لديه أقليات دينية أو طائفية، لذلك لم تنطل عليه الشعارات الدينية والقبلية التي طرحتها جماعات الإسلام السياسي. لقد تخوفنا من انزلاق ليبيا نحو التطرف والإرهاب الديني بعد سقوط نظام القذافي وانتشار الميليشيات الأصولية الجهادية في بعض مناطق ليبيا، لكن تمكن القيادة والشعب الليبي من إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة، أظهرت ميل الشعب الليبي باتجاه الدولة الديمقراطية المدنية، بعيداً عن الشعارات الدينية المسيسة. ما يهمنا في النهاية أن المد الأصولي الإسلامي الذي جاء مع "الربيع العربي" قد توقف أو تعثرت مسيرته في ليبيا، لذلك على أنصار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في الوطن العربي دعم التجربة الليبية الجديدة.