تقتصر زيارة أكثرنا للأهرام في مصر على التجوال حولها مشياً أو تجربة ركوب الخيل والجمال هناك. ويجرب دخول الهرم الأكبر من لم يكن قد دخله قط. أما سواح القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وبخاصة من الأوروبيين، فكان الكثير منهم يستعين ببعض "الأعراب" لصعود هذا المبنى التاريخي الشامخ والأثر الخالد، والجلوس على قمته! يقول أحد هؤلاء، وهو الفرنسي "جيراردي نرفال" الذي زار مصر عام 1851، إن قبيلة من البدو "كانت تتولى حماية المسافرين وإرشادهم في صعودهم الهرم الأكبر. فما أن يلمح هؤلاء القوم أحد المستطلعين يقترب من منطقة نفوذهم حتى يهرولوا لاستقباله راكضين بجيادهم في مظاهرة سلمية، وهم يطلقون الأعيرة النارية للدلالة على استعدادهم لخدمته والدفاع عنه ضد هجمات بعض البدو من محترفي السلب والنهب الذين قد يتصادف وجودهم. ثم يصف "نرفال" خطوات تسلق الهرم بالتفصيل، إذ بينما كان في حيرة من كيفية اجتياز درجات تصل أولاها في الارتفاع إلى صدره، قفز اثنان من الأعراب فوق هذه المصطبة الهائلة، "وأمسك كل منهما بذراعي، بينما دفعني الآخران من تحت كتفي... وعدوت هكذا سبع درجات بعد المائتين، ولم يكن أمامي سوى ربع ساعة لأصل إلى القمة، وكلما توقفنا لحظة لالتقاط أنفاسنا وجدنا أمامنا فتيات صغيرات... يُقرِّبْن من فمك قلّة فخار طيبة فتنعشك مياهها الباردة لحظة". ويصف "نرفال" سطح الهرم، فيقدر مساحته بمائة متر مربع تقريباً. وهو سطح تكوّن إثر انهدام القمة المدببة التي كانت تشبه ولا ريب قمة الهرم الأوسط، التي ما زالت سليمة. ولقد كانت الأهرام الثلاثة مزدانة جميعاً بغطاء مائل للحمرة كان يُرى إلى عهد "هيرودوت"، مؤرخ اليونان الكبير الذي زار مصر وكتب عنها. ثم تعرّت الأهرام من هذه الطبقة الحمراء شيئاً فشيئاً، "كلما كانوا يحتاجون في القاهرة إلى بناء قصور للملوك والسلاطين". وفوق سطح الهرم، استمتع "نرفال" بالمنظر البديع البالغ الروعة، حيث يمكن مشاهدة النيل ممتداً ناحية الشرق ابتداء من رأس الدلتا إلى ما وراء سقّارة، "حيث نستطيع أن نلمح أحد عشر هرماً أصغر من أهرام الجيزة". ولدى النزول من ذلك الارتفاع الشاهق، يقول نرفال، "كان إثنان من الأعراب يتوليان تدليتنا من أكتافنا من أعلى كل درجة، ثم يسلماننا إلى أذرع زملائهما الممتدة". (رحلة إلى الشرق، ترجمة د. كوثر البحيري، ص 304). قلائل من الذين يزورون الهرم الكبير، يقول "انطوان بطرس" في مقال له بصحيفة الأنباء الكويتية، يعلمون أنهم حينما يدخلون فإنهم يستخدمون مدخلاً نقبه العرب بأمر من المأمون حينما زار مصر سنة 216 هجرية. وتقول المراجع الأوروبية إن ذلك كان للبحث عن الكنوز والجواهر، أما الكاتب بطرس فيعتقد أن المأمون كان يبحث عن أشياء تاريخية وعلمية. وقد تحدث بعض قدماء المؤرخين في هذا، فقال "القلقشندي" إن المأمون قصد هدم الهرمين، خوفو وخفرع، فلم يقدر. وكرر المقريزي عبارة الهدم "ليعلم ما فيه". وذكر ياقوت الحموي أن المأمون أمر بنقب الهرم. وقد أطلق العرب على الأهرام اسم "جبال فرعون"، وقال عنها "المسعودي" إن طولها عظيم وبنيانها عجيب. ونقل المقريزي عن "رضوان الطبيب" قوله: "ما أحسب على وجه الأرض بناءً أعظم منه ولا أحسن هندسة ولا طولاً". وتورد المصادر العربية أسباباً خرافية لدواعي بناء الأهرام، وتشرح طرق بنائها بأساليب خيالية، بما في ذلك الطريقة التي فتح بها الخليفة المأمون مدخل الهرم. ويسمي المؤرخون الفترة الممتدة من الأسرة الثالثة إلى الأسرة السادسة "عصر بناة الأهرام". ففي عهد الأسرة الثالثة بنى الملك "زوسر" هرمه المدرج بسقارة، واستخدم الحجارة الجيرية بدل قوالب اللبن، فكانت هذه خطوة واسعة في سبيل تقدم فن البناء. وفي عهد الأسرة الرابعة انتقلت المقابر إلى شكل أهرام ضخمة طليت جدرانها من الخارج فأصبحت مصقولة ملساء كأنها قطعة واحدة. وهذا أقصى ما وصل إليه رقي المقبرة. كان الملك "خوفو" باني أكبر الأهرام ثاني ملوك الأسرة الرابعة، وقد سبقه الملك "سنفرو" الذي تنسب إلى عصره نهضة عظيمة في صناعة التماثيل، ومنها تمثال "الكاتب المتربع" في متحف اللوفر بفرنسا، وتمثال شيخ البلد المحفوظ في متحف القاهرة. (مصر وعلاقتها بالعالم القديم، عبدالفتاح السرنجاوي، 1937، ص 29). وأحدثت قبل أعوام نظرية جديدة للبروفيسور الفرنسي "جوزيف دافيدوفيتش"، حول بناء الأهرام ونوعية حجارتها، ضجة كبرى! وقد رفضت مصر، على لسان الدكتور زاهي حواس، هذه النظرية التي يزعم فيها أن الأهرام بنيت أساساً من الطين وليس من الأحجار كما يعتقد علماء الآثار. وجاء في صحيفة "الشرق الأوسط" (14 - 6 - 2008) أن حواس رفض هذه النظرية ووصفها بـ"التخاريف"، خاصة أن هناك يقيناً بالأدلة لدى كل علماء الآثار بأن الأهرام بُنيت بأحجار جلبت من هضبة الجيزة التي لا تبعد عن موقعها أكثر من 600 قدم. وتقوم النظرية الجديدة على أن الطين ومواد أخرى أخذت من تربة نهر النيل، ووضعت معاً في قوالب حجرية محكمة، ثم سُخِّنت لدرجة حرارة عالية، مما أدى إلى تفاعل هذه المواد وتشكيلها حجارة تشبه الحجارة الناتجة عن البراكين. ورأى العالم الفرنسي أن الحجارة التي بنيت منها الأهرام من الكلس والطين والماء، لأن التحاليل باستخدام تقنية "النانو" أثبتت وجود كميات من الماء في هذه الحجارة، خلافاً للأحجار الطبيعية. وفي المقابل، أوضح حواس أن علماء الجيولوجيا أثبتوا أن هضبة الأهرام هي جزء من هضبة المقطَّم، وأن قاعدة الهرم ذاته مصنوعة من الأحجار الصخرية، فكيف يمكن لجسم الهرم وقمته أن يصنعا من الأحجار الطينية؟ أما الفرنسي "دافيدوفيتش" فيقول إن تناسق البنية الداخلية للأحجار، يؤكد أنه من غير المعقول أن تكون قد جُلبت ثم نحتت بهذا الشكل، وبالتالي فالاحتمال الأكثر واقعية هو أن المصريين القدماء صبوا الطين في قوالب فجاءت أشكال الأحجار متناسقة تماماً ومتشابهة من حيث الشكل.