برنامج "مسار"، الذي دشنت وزارة العمل المرحلة الثانية منه مؤخراً لرعاية طلبة الثانوية العامة في أثناء مرحلة دراستهم الجامعية، يعد توجهاً إيجابياً للربط بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل، كونه ينطلق من تقديم الوزارات والهيئات الحكومية مِنحاً دراسية للطلاب في بعض التخصصات المهنية والفنية بناءً على احتياجاتها الفعلية السنوية، وتمكينهم من الحصول على مؤهلات علمية من الجامعات والكليات والمعاهد داخل الدولة، بحيث تتكفل كل جهة بتكاليف دراسة الطلبة المنتسبين إليها بعد توقيع عقد مع الطالب للعمل لديها وفق شروط محددة، وهذا أمر ينطوي على قدر كبير من الأهمية، ليس لأنه يضمن وجود كوادر مواطنة في التخصصات التي تحتاج إليها الهيئات الحكومية فقط، وإنما لأن ذلك التوجه ينعكس بشكل إيجابي على منظومة العمل في هذه المؤسسات أيضاً. ويتضمن برنامج "مسار" العديد من الضوابط المهمة التي تكفل نجاحه، حيث يشترط للحصول على المنحة أن يتوافق التخصص مع احتياجات الوزارة، وأن يحصل الطالب على معدلات عالية في الثانوية العامة، ويجتاز اختباراً يُجرى له قبل الالتحاق بالجامعة. وفي الوقت نفسه، يُفرض على الطلاب تسديد كافة المصاريف المالية التي قدمت إليهم خلال الدراسة في حال عدم التزامهم بمقتضيات البرنامج ومتطلباته، وهي ضوابط تعكس الجدية في تطبيق البرنامج والحرص على تحقيق أهدافه. برنامج "مسار" بهذا المعنى ينطوي على مردودات إيجابية عديدة، فهو يشكل خطوة مهمة نحو الربط بين التشغيل والاحتياجات الفعلية للمؤسسات الحكومية والاتحادية، فقيام الوزارات والجهات الاتحادية بتحديد المجالات والتخصصات التي تحتاج إليها وفق هذا البرنامج، لا شك أنه يساعدها على تطبيق التوطين النوعي، الذي يهتم بشكل رئيس باستقطاب الكوادر المواطنة في التخصصات النوعية والحيوية. وعلاوة على ما سبق، فإن هذا البرنامج يتلافى سلبيات التعيين المباشر للمواطنين في القطاع الحكومي والاتحادي، التي تكون نتيجته استقالة بعضهم، بدعوى أن الوظائف التي يشغلونها لا تتوافق مع تخصصاتهم، ولا تلبي طموحاتهم المهنية، ولهذا فإن أهمية هذا البرنامج أنه يتيح للطلاب اختيار مجالات العمل التي تناسب قدراتهم، وهذا أمر من شأنه أن يسهم في تحسين الإنتاجية، والارتقاء بالأداء في مختلف مواقع العمل الوطني. الأمر الإيجابي الآخر، الذي ينطوي عليه برنامج "مسار"، هو تركيزه على التخصصات المهنية والفنية، وهي تخصصات نوعية تمثل إضافة قوية للاقتصاد الوطني، وتتواكب مع حركة التطور والنمو المتسارعة التي تشهدها الدولة في مختلف القطاعات، فتوجيه خريجي الثانوية العامة نحو المجالات التي تحتاج إليها الجهات والهيئات الحكومية والاتحادية المختلفة يوفر كثيراً من الوقت والجهد كان يوجه إلى الدورات التدريبية التي يتلقاها هؤلاء الطلاب فور تخرجهم، والتحاقهم بمجالات عمل لا تتناسب مع تخصصاتهم، أو حتى تشبع ميولهم الشخصية، وهذا ما يتلافاه هذا البرنامج الذي يستهدف إيجاد كوادر مواطنة في التخصصات المهنية والفنية، تستجيب للاحتياجات الفعلية للهيئات والوزارات الاتحادية. ويشكل برنامج "مسار" نقلة نوعية في الربط بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل، وهو بهذا المعنى لا ينفصل عن مبادرات أخرى تسعى إلى تحقيق الهدف نفسه، لعل أبرزها إقامة العديد من المعاهد والمؤسسات التعليمية شراكات مع شركات القطاع الخاص ومؤسسات الأعمال في الدولة، التي توفر دورات تدريبية لهؤلاء الطلاب أثناء الدراسة، وفرص عمل مناسبة لهم فور تخرجهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.