"مصافحة الشيطان: فشل الإنسانية في رواندا"، عنوان كتاب ألفه الجنرال الكندي "روميو دالير"، والذي كان قائداً لقوة الأمم المتحدة برواندا عام 2003، في الكتاب وفي شهاداته يعبر الجنرال "دالير" عن الغرابة لعدم اكتراث كوفي عنان لتحذيراته من خطورة الوضع. كان عنان حينها رئيس عمليات السلام في الأمم المتحدة في الفترة من 93-96 من القرن الماضي قبل أن يصبح أميناً عاماً للمنظمة الدولية، بل يسجل الجنرال أن عنان تدخل شخصياً لمنع قوات الأمم المتحدة من التدخل لوقف مجازر "التوتسي"، والتي راح ضحيتها ثمانمائة ألف إنسان ذبحاً ونحراً وجزراً. بعد مضي عشر سنوات، اعترف عنان بتقصيره وبأنه لم يأخذ تحذيرات الجنرال "دالير" على محمل الجد! في عام 1995، ارتكبت مجزرة "سيربرينيتشا" بيوغوسلافيا أمام مرأى ومسمع قوات الأمم المتحدة حين كان عنان-مثلما هو اليوم- مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة بيوغوسلافيا! بعد فشله الذريع في رواندا ويوغوسلافيا وأثنائها العراق، أصبح "عنان" أميناً عاماً للأم المتحدة، وكوفيء بجائزة نوبل للسلام مشاركة مع الأمم المتحدة عام 2001، وتلا ذلك الفشل فضائح طالت اسم ابنه في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي أنشأته الأمم المتحدة للشعب العراقي واستغله صدام حسين لشراء الولاءات الخارجية وإطالة عمر نظامه. للموضوعية، فقد سجل له الكينيون نجاحه الوحيد كوسيط دولي عام 2008 حين أنهى الخلاف بينهم بعد انتخابات الرئاسة في كينيا. غادر عنان أهم منصب بروتوكولي في العالم- الأمين العام للأمم المتحدة- بسجل أقل ما يقال عنه بأنه فاشل في وقف الفظائع التي ارتكبت بعهده، ولكن جامعة الدول العربية والأمم المتحدة اختارت الرجل الذي شارف على الخامسة والسبعين من العمر ليكون مبعوثاً دولياً خاصاً لسوريا. كان ذلك في فبراير الماضي، أي قبل خمسة أشهر قتل فيها الآلاف وشرد وجرح واعتقل ولجأ عشرات الآلاف وارتكبت مذابح مروعة عرف منها الحولة والحفّة والقبير والتريمسة، ولازال السيد عنان يجوب العواصم متنقلاً بين دمشق وطهران وجنيف وموسكو ليردد كلاماً باهتاً حول مبادرته التي تنص في بندها الأول على "وقف العنف" من كافة الأطراف، وهذا البند بحد ذاته كان أول انتصار للنظام السوري لأنه ساوى بين الضحية والجلاد. يرى النظام السوري في "عَلْك" مبادرة عنان كسباً للوقت للإمعان بالقتل في محاولة يائسة للقضاء على الثورة، بل يرى في زيارات عنان لدمشق نافذة للإطلال على المجتمع الدولي من خلال مبعوث "دولي" يضفي شرعية على النظام رغم جرائمه، ليخرج عنان بعد لقاء الأسد مصرحاً: كان لقاء إيجابياً! وهو تصريح فسره الشعب السوري الثائر على أنه مباركة للمذابح، ومهلة لمزيد من القتل والبطش، حتى أن المدونين والمغردين السوريين أطلقوا على عنان اسم "وزير خارجية الأسد الجديد"، وخصوصاً مع تراجع دور المعلم عن الأضواء، ومقاطعة معظم المجتمع الدولي لنظام الأسد وسحب سفرائه من دمشق. جهتان فقط يخدمهما استمرار عنان في مهمته أو مهلته للبطش: نظام الأسد الذي استخدم عنان خير استخدام، وإسرائيل التي ترى أن استمرار الاقتتال هو إرجاء لهمّها وتساؤلها الكبير: ماذا بعد الأسد؟ ولد كوفي عنان يوم الجمعة، ومن عادات أهل غانا –مسقط رأس عنان- أن يسمى الطفل باسم اليوم الذي ولد فيه، مثلما بعض عادات التسمية لدى العرب حيث ينتشر اسم خميس وجمعة. واسم عنان يعني بلغة "أكان" الغانية يوم الجمعة. يرى السوريون- معارضون وثوار- أن المبعوث "جمعة" (عنان) منحاز دون مواربة لنظام الأسد، لدرجة أنهم سموه وزير خارجية الأسد، فمن يدري؟ قد تأتي جمعة "الشعب يريد إسقاط "جمعة" عنان؟ د.سعد بن طفلة العجمي