"إدوارد لوكاس"، مؤلف كتاب "الخداع... جواسيس وأكاذيب وكيف خدعت روسيا الغرب"، صحفي مخضرم عمل لمدة 25 عاماً في تغطية أحداث شرق أوروبا وروسيا، وهو ما يدعونا أن نأخذ كلامه على محمل الجد عندما يقول إنه يكشف ما دار ويدور في الظلال المعتمة لعالم الأشباح. ويستمد الكتاب أهميته من صدوره قبل فترة قصيرة من عودة بوتين لشغل الكرسي الذي حجزه له بعنايةٍ ميدفيديف طوال أربعة أعوام. وفي بداية الكتاب يقول لوكاس إن "الحلف غير المقدس" المكون من رجال العصابات، والأشباح أو الجواسيس، والموظفين الحكوميين أو أهل الروتين، هو الذي يحكم روسيا حالياً. ويمثل تهديداً جدياً للعالم كله، وخصوصاً أوروبا. ويقول المؤلف إن الذي منح ذلك الحلف غير المقدس حضوراً فاعلاً في روسيا اليوم يرجع في الأغلب الأعم إلى الشعور السائد لدى الروس بأنهم فقدوا إمبراطورية. فرغم أن هناك في روسيا اليوم قليلين يشعرون بالحنين إلى العهد السوفييتي، فإن الشيء الذي يمكن تلمسه عند الحديث مع الروس من مختلف الطبقات والمشارب، أنهم يشعرون بالمهانة والمذلة وفقدان الكرامة، بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي. ويرى المؤلف أنه رغم الاقتصاد المتدهور بسبب الفساد، والبيروقراطية المتغلغلة، وفقدان القدرة على الابتكار، فإن جهاز الاستخبارات الروسي كان أحد الأجهزة والمؤسسات القليلة التي نجحت في المحافظة على قوتها ونفوذها وإبقاء كيانها سليماً وقادراً على العمل بكفاءة. وللبرهنة على ذلك يفحص "لوكاس" بعض القضايا المهمة التي شغلت اهتمام روسيا في الفترات الأخيرة. أكثر هذه القضايا إثارة للانزعاج هي قضية "سيرجي ماجنيتسكي"، المحامي الشجاع الذي كان كل ذنبه أنه دافع عن مصالح وحقوق موكله. وهذه القضية استحضرت ما يتمتع به لوكاس من حس صحفي حاد، وقدرة على الملاحظة الدقيقة وإصدار الأحكام الصائبة ومنها قوله: "ليس هناك من دليل أكثر وضوحاً على تعفن النظامين القضائي والسياسي في روسيا من تنكيلهما بمحام لمجرد أنه يدافع عن مصالح موكله، لأن مصالح ذلك الموكل تتعارض مع مصلحة النظام ومع من بيدهم مقاليد الأمور". كما يتناول الكتاب قضايا أشخاص آخرين مثل "أنا شابمان"، العميلة الروسية الفاتنة التي كانت واحدة من 10 عملاء روس تم القبض عليهم في الولايات المتحدة عام 2010 أثناء قيامهم بمهمة للتجسس على الولايات المتحدة، والتي كشفت التقارير أنها قد نجحت عن طريق استغلال مؤهلاتها الجسدية الفائقة في الحصول على كم من المعلومات الحساسة عن طريق الاقتراب من رجال يشغلون مناصب على درجة كبيرة من الأهمية في أميركا. هذه القضية على وجه التحديد أظهرت أن المخابرات الروسية لم تتوقف عن العمل ولم يقل نشاطها كما كان يقال بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي نفسه، لكنها ما زالت تواصل أعمالها التجسسية وتحقق نجاحات على أجهزة الاستخبارات الغربية بدليل أنها كانت قد نجحت في الإيقاع بعدد من الجواسيس الأميركيين والغربيين الذين كانوا يمارسون نشاطهم في روسيا واستخدمتهم في صفقة استرداد جواسيسها. ويرى الكاتب أن نجاح أجهزة الاستخبارات الروسية في منازلاتها مع أجهزة الاستخبارات الغربية، بل ونجاحها في تحقيق انتصارات عليها أحياناً، يرجع لأن الغرب وعلى رأسه أميركا، قد تخلى عن حذره في التعامل مع روسيا سعياً لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية عديدة، مما يفتح الباب على مصراعية للأجهزة الروسية، مثل جهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، وجهاز الاستخبارات الخارجية (SVR)... كي تستغله بمهارة. ومن مميزات هذا الكتاب أن مؤلفه لا يتوق للحديث عن الماضي السوفييتي الذي قُتل بحثاً، ولا يكرر التحيزات الممجوجة التي حفل بها الخطاب الغربي، بل يرى أن هناك أشياء أخرى تدور في روسيا اليوم ويدور حولها الجدل وقد تتخذ أبعاداً دموية، وهي السلطة والثروة، وأن الخطورة كل الخطورة على روسيا والعالم الغربي أن القائمين على الأمور في روسيا يستخدمون في هذا الصراع كل الأسلحة، وأخطرها سلاح الجريمة، والفساد المستشري... على حساب المواطن الروسي الذي تتفاقم معاناته. سعيد كامل الكتاب: الخداع... جواسيس وأكاذيب وكيف خدعت روسيا الغرب المؤلف: إدوارد لوكاس الناشر: بلومزبيري بابليشنج بي.إل.سي تاريخ النشر: مارس 2012