يتردد اسم اليهود الحريديم كثيراً في تقارير وكالات الأنباء هذه الأيام، والمناسبة هي أن المحكمة العليا أصدرت حكماً ملزماً بضرورة تغيير القانون المعروف باسم "قانون طال" والذي ينص على إعفاء الحريديم من التجنيد. طلبت المحكمة أن تصدر الحكومة قانوناً جديداً يكفل المساواة بين الشباب الإسرائيليين من اليهود بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والأيديولوجي، على أن يصدر القانون بحد أقصى في نهاية أغسطس. والمعروف أن المجتمع اليهودي في إسرائيل موزع على فئة العلمانيين الذين يحترمون الصهيونية العلمانية التي أسسها هرتزل لإقامة الدولة على أرض فلسطين بالجهود البشرية، وفئة الصهاينة الدينيين الذين قاوموا في البداية مشروع هرتزل ثم ما لبثوا أن قبلوه بعد أن توصل حاخاماتهم إلى فتاوى وصيغ دينية توفق بين معتقدات الديانة اليهودية وبين الصهيونية العلمانية. كانت المعتقدات الدينية تحرم القيام بأي مجهود بشري لإعادة اليهود إلى فلسطين وتلزم أصحابها بانتظار المسيح اليهودي المخلص الذي سترسله السماء للقيام بهذه المهمة في التوقيت الذي يحدده الرب. استطاع حاخامات الصهيونية الدينية أن يجدوا جسراً فكرياً يربط بين الأمرين بالقول إن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تمثل أحد شروط قدوم المسيح اليهودي وبالتالي فليس هناك تناقض بين الهجرة في إطار الحركة الصهيونية وبين المعتقد الديني. أما الفئة الثالثة فهي الحريديم الذين لا يزالون متمسكين بالعقيدة الدينية كما هي وما زالوا ينتظرون عودة المسيح وينظرون إلى الدولة الإسرائيلية على أنها حالة استعجال لقدوم المسيح لا تتفق مع أصول العقيدة. وينضم معظم هؤلاء اليهود إلى حزبين رئيسيين هما حزب "شاس" المعبر عن الحريديم من اليهود الشرقيين، وحزب "يهدوت هتوراه" المعبر عن الحريديم من الدول الأوروبية (الاشكناز). لقد تهرب الحريديم من أعباء التجنيد منذ إقامة الدولة على أساس أنهم مشغولون بدراسة التوراة وكانوا في نفس الوقت يحصلون من الميزانية العامة على مزايا عديدة بفضل وجود الأحزاب المعبرة عنهم في الحكومات. حالياً يحاول الحزبان الحريديان المشاركان في حكومة نتنياهو الضغط عليه للتهرب من إعداد القانون الجديد، غير أن سائر شركائه في الحكومة وخاصة شاؤول موفاز زعيم حزب "كاديما"، وأفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، يضغطان في الاتجاه الآخر مصممين على وضع القانون الجديد الذي اقترح ليبرمان أن يلزم العرب أيضاً بالتجنيد وهو الاتجاه المرجح. إن الحريديم ينظرون إلى غيرهم من اليهود نظرة استعلاء وإشفاق باعتبارهم خارجين عن اليهودية الصحيحة من وجهة نظرهم. لقد أوضح الدكتور شموئيل هايلمان أستاذ علم الاجتماع المتخصص في مجال الحياة اليهودية الدينية وأمنون ليفي، الفروق الشاسعة فكرياً بين اليهود العلمانيين والحريديم. لقد كشف الباحثان أن الحريديم يطلقون على العلمانيين تسمية "الجوييم من نسل إسرائيل"، أي "الأجانب والأغيار من نسل إسرائيل". إن كلمة "جُوي" تطلق أساساً على الشعوب الوثنية غير اليهودية. إن صحيفة حريدية هي "همجانية هجريدي" تصف العلمانيين بأنهم أطفال تعرضوا للسبي على أيدي الأغيار وترى أنهم شعب مختلف عن الحريديم. لهذا يصمم العلمانيون على تجنيد الحريديم ليندمجوا في حياة الدولة وأعبائها بدلاً من الانتفاع منها فحسب.