في حواره مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، تحدث كوفي عنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، عن المدى الذي وصلته الأزمة السورية، والمخاطر المتوقعة في سوريا، والدور الذي تلعبه القوى الكبرى، أي روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى، في هذه الأزمة. واعتبر عنان أن سوريا ستكون الخاسر الوحيد من هذه المنافسة الهدامة، محذراً من بقاء الوضع فيها على حاله منذ 15 شهراً، لأن استمرار الأزمة على النحو الحالي سوف يدفع نحو حرب أهلية قد يمتد خطرها إلى الدول المجاورة. وهذا الرأي يتفق مع ما تحدث به غالبية المحللين والمختصين في الشأن السوري، والذين أكدوا أن التضارب الخطير بين مواقف الدول الكبرى حول الأزمة السورية، سوف يعمق الأزمة ويوسع امتدادها إقليمياً، وأنه لا مخرج من المأزق إلا بالتقريب بين مواقف هذه الدول. هناك إذن أزمة خطيرة وإشكالية سياسية معقدة يعاني منها الشعب السوري، وكان من المفترض أن يكون حلها في نطاق المجموعة العربية، وأن لا تترك للقوى الخارجية فرصة التدخل وفرض أجنداتها السياسية. إلا أن استماتة نظام الأسد من أجل البقاء في السلطة، وإثارته للخطاب الطائفي، وعدم إدراكه المتغيرات السياسية الجارية في المنطقة، وتداخل عوامل ومحركات أخرى أسهمت في تفاقم الأزمة... كل ذلك فتح الباب أمام هذا التدخل، والذي بدوره فاقم الأزمة وجعل الأمور تندفع نحو تعقيد أكبر، بعيداً عن الأمل في حدوث انفراج سلمي للأزمة ينتقل بالوضع من مرحلة الثورة إلى مرحلة التوافق السياسي. إن إنقاذ سوريا من الوقوع في أتون الحرب الأهلية لن يكون ممكناً إلا بتوافقين؛ توافق القوى الدولية الكبرى، وتوافق القوى الداخلية متمثلة في المعارضة السورية. والتوافق الداخلي يتطلب توحيد صفوف المعارضة واتجاهها نحو هدف واحد يخدم مصالح الشعب السوري ويزيل نظام "البعث"، وهذا ما ينبغي الإسراع بإنجازه قبل أن تدفع الأحداث نحو حرب أهلية معلنة، لأن التطورات الجارية في المنطقة العربية، قد تساعد على خلط الأوراق وإيجاد حالة من الاضطراب العميق في منظومة الأمن القومي العربي الإقليمي وتدهور العلاقات بين القوى الكبرى، خاصة روسيا والولايات المتحدة. إن الخطأ الذي وقع فيه نظام "البعث" السوري، هو توهمه بأن الدعم الخارجي، الروسي والإيراني والصيني، سوف يستمر، وأنه لا مانع من إبادة أكبر عدد من السوريين، وهدم مقومات الدولة السورية... على أساس أن ذلك الدعم سوف يوفر له الحماية إلى ما لا نهاية. وهذا في تصوري جهل خطير بمبادئ الواقع السياسي وسياسات الدول الكبرى؛ لأن الروس والأميركيين والأوروبيين سوف يصلون في نهاية المطاف إلى اتفاق يحقق لكل منهم مصالحه السياسية والمادية، وهذا ما حدث في تجارب كثيرة سابقة، وعندها سوف يدفع نظام "البعث" السوري الثمن غالياً، كما حدث مع أنظمة أخرى في تجارب عديدة مشابهة.