القرار الذي أصدره الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بإلغاء قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن حل مجلس الشعب تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان تشكيله، يعد ابتداعاً لنظرية سلطوية جديدة يمكن أن نطلق عليها نظرية الصراع بين السلطات! ومن المعروف أن كل الدول الديمقراطية تقوم على أساس سيادة القانون من ناحية، والفصل بين السلطات من ناحية أخرى. أما سيادة القانون فهي أصل من الأصول الدستورية، ويترتب عليها أنه لا يمكن للسلطات العامة القائمة في بلد ما أن تمارس سلطتها إلا وفق قوانين مكتوبة صادرة وفق الإجراءات الدستورية المتفقة مع الدستور، والهدف تحقيق مبدأ الحماية ضد الأحكام التعسفية في الحالات الفردية. وهناك نصوص متعددة في الدستور لعام 1971 لجمهورية مصر العربية تنص على سيادة القانون. إذ تقرر المادة 64 أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة". وتقرر المادة 65: "تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات". وتنص المادة 72 على أنه "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون". أما الفصل بين السلطات فهو نظرية مستقرة في الفقه الدستوري، وتقوم على أساس أن فروع الحكومة ثلاثة؛ وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. وإذا كانت السلطة التشريعية هي التي تصنع القانون، فإن السلطة التنفيذية هي التي تصدر القرارات اللازمة لتنفيذ القانون، في حين أن السلطة القضائية تطبق القانون. والأصل هو الفصل بين هذه السلطات الثلاث حتى لا تتغول أي سلطة على السلطات الأخرى، مما قد يؤثر سلباً على الممارسة الديمقراطية. والواقع أن قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب للانعقاد ابتداءً من 16 يوليو وممارسته لوظائفه التشريعية تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال ستين يوماً بعد وضع الدستور والموافقة عليه، يعد في الواقع إشعالاً للصراع بين السلطات. وذلك لأن المحكمة الدستورية العليا سبق أن أصدرت حكماً ملزماً ببطلان مجلس الشعب، نظراً لعوار دستوري شاب القانون المنظم للانتخابات والذي سمح للأحزاب السياسية بالإضافة إلى القوائم أن تنافس مع المستقلين في الدوائر الفردية. والحكم معناه بكل بساطة أن المجلس أصبح كياناً منعدماً نظراً لبطلانه. وعلى ذلك فقرار رئيس الجمهورية بإحياء مجلس الشعب الباطل يعد مخالفةً دستوريةً جسيمةً، لأنه يعطل تنفيذ الحكم الملزم للمحكمة الدستورية العليا. ولا ينبغي أن تخدعنا التأويلات المنحرفة لقادة جماعة "الإخوان المسلمين" بأن رئيس الجمهورية يحترم حكم المحكمة الدستورية العليا، وأنه فقط أصدر قراراً جمهورياً بإلغاء القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبلغه لأمانة مجلس الشعب بحله. فهذا في الواقع يعد تلاعباً بالألفاظ ومحاولة يائسة لإخفاء الحقيقة التي مؤداها أن رئيس الجمهورية المنوط به احترام أحكام القضاء، قد خالف عامداً متعمداً حكماً ملزماً للمحكمة الدستورية العليا. والواقع أنه لفهم هذا الموقف الصراعي الخطير الذي تسبب فيه قرار رئيس الجمهورية بينه وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يصلح فيه اللجوء إلى التفسيرات القانونية المتعددة الصحيحة أو المغلوطة، بل لابد من إجراء تحليل سياسي متعمق لفهم حقيقة ما حدث. وهذا التحليل السياسي لابد أن يرصد أولاً الهجوم الكاسح لأعضاء مجلس الشعب الباطل على المحكمة الدستورية العليا، وسعيهم المحموم لإصدار تشريع يعيد تشكيلها بما يتفق مع المصالح السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين". وفي هذا السياق وجهت سهام النقد العنيف لقانون المحكمة ذاته ولطريقة تشكيلها، بل إن النقد الجارح وجه أيضاً لقضاتها الأجلاء وهم من خيرة القضاة المصريين. وقد خاب سعي مجلس الشعب الباطل في هذا الاتجاه، نظراً للمقاومة العنيفة التي أبدتها الهيئات القضائية بل والرأي العام ضد هذه المحاولات غير الشرعية لهدم أساس أعلى محكمة مصرية، لها تراثها القانوني في حماية الحريات العامة، بل إنها في ظل النظام السياسي السابق حكمت بحل مجلس الشعب مرتين لعوار دستوري وخضع قادة النظام لهذا الحكم. ومما يؤكد الطابع السياسي للقرار الجمهوري الباطل الذي أصدره رئيس الجمهورية بإحياء مجلس الشعب من جديد أن رئيس اللجنة التشريعية في المجلس الأستاذ "الخضيري"، وهو مستشار سابق في محكمة النقض، نشر مقالة نقدية عنيفة ضد المحكمة الدستورية العليا في جريدة "المصري اليوم" يوم 7 يوليو 2012 بعنوان "ديكتاتورية المحكمة الدستورية العليا". وقد تضمن هذا المقال الذي نتعجب للغاية أن يصدر من قلم مستشار سابق بمحكمة النقض هجوماً بالغ الحدة على المحكمة الدستورية العليا، لا يستند إلى أي أسانيد دستورية أو قانونية، بل إنه مليء بالمغالطات المتعمدة لتشويه صورة المحكمة ونقد أحكامها. فقد زعم المستشار السابق أن المحكمة "تحاول أن تفرض سلطتها حتى على الشعب الذي تحكم باسمه". وهو يحاول تفسير سلوك بعض أعضاء المحكمة من مسألة إذاعة حلف الرئيس مرسي اليمين على الهواء بأنه يرجع إلى أمرين: "الأول إحساس أعضاء المحكمة أن هذا الرئيس منقوص الصلاحيات إذ يشاركه فيها شريك قوي هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة صاحب الأمر والنهي حتى هذه اللحظة، "وثاني هذه الأمور" الإحساس بالغرور الذي انتاب بعض أعضاء هذه المحكمة نتيجة إحساسهم بأنه لا توجد قوة في الأرض ولا حتى الشعب نفسه يمكن أن يغضب على أحكامهم". ويتساءل: "وإلا فبماذا تفسر حكم حل مجلس الشعب الذي خرجت فيه المحكمة على كل القواعد والأعراف القانونية في تفسير القانون وتنفيذ الأحكام، فلأول مرة نرى محكمة تتحدث عن تنفيذ حكمها وكيفية ذلك". ما سبق خلاصة للهجوم الكاسح الذي ساقه "الخضيري" ضد المحكمة الدستورية العليا، ولعله كان المقدمة الضرورية للقرار الجمهوري الذي أصدره الدكتور مرسي بإحياء مجلس الشعب، وهو قرار باطل لأن ما بني على باطل فهو باطل. خلاصة الأمر أن هذا القرار الجمهوري المعيب يعد ضربة قاصمة ضد مبدأ الفصل بين السلطات، وعدواناً صارخاً على سيادة القانون.