يتعرض أفراد الجنس البشري حالياً لوباء متزايد في حجمه من أمراض القلب والشرايين، مما جعل هذه الطائفة من الأمراض تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات بين البشر. حيث تتسبب أمراض القلب والشرايين حالياً في أكثر من 17 مليون وفاة سنوياً، أو ما يعادل 30 في المئة من مجمل الوفيات البشرية. هذا مع التوقع بأن تظل أمراض القلب والشرايين محتفظة بمكانتها على تلك القائمة السوداء حتى عام 2030 على الأقل، ما لم تتخذ تدابير وإجراءات جذرية على صعيد الوقاية من عوامل الخطر. ويتماثل الوضع داخل الإمارات مع الوضع العالمي إلى حد كبير، حيث تحتل أيضاً أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات داخل الدولة، متسببة في 22 في المئة من إجمالي الوفيات. وتتنوع وتتعدد عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، لتشمل السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والتوتر، وارتفاع مستوى الدهون في الدم، والقابلية الوراثية، وغيرها. ومؤخراً، وحسب بعض الدراسات الحديثة، أصبحت أصابع الاتهام تشير أيضاً إلى عوادم السيارات، كسبب للإصابة بالأزمات القلبية المعروفة بالذبحة الصدرية، حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2,4 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً من جراء مشاكل صحية متنوعة ومتعددة، يتسبب فيها تلوث الهواء بشكل مباشر، وتحتل عوادم السيارات مكانة خاصة على قائمة أسباب تلوث الهواء. ومن بين عوامل الخطر خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، أصبحت قلة النشاط البدني وضعف ممارسة الرياضة بشكل منتظم، تحتل مكانة خاصة، إما نتيجة تسببها في الإصابة بأمراض الشرايين بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، كونها من عوامل الخطر خلف الإصابة بالأمراض الأخرى التي تؤدي بدورها إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل السمنة، والسكري، وارتفاع مستوى الدهون في الدم. هذه العلاقة المزدوجة بين قلة النشاط البدني وأمراض القلب، وبالصحة والمرض بوجه عام، أكدتها دراسة صدرت هذا الأسبوع، حيث أظهرت نتائجها أن قصر الوقت الذي نقضيه جالسين خلال اليوم الواحد على ثلاث ساعات فقط، من شأنه أن يزيد من متوسط طول العمر بمقدار عامين كاملين. وعلى نفس المنوال، إذا ما قصرنا فترة الجلوس أمام شاشة التلفزيون على ساعتين يومياً فقط، فسوف نضيف إلى أعمارنا ما مقداره سنة ونصف تقريباً. وبشكل آخر، يمكن القول بأن الجلوس لأكثر من ثلاث ساعات يومياً، يقصف من العمر عامين كاملين، بينما تقصف مشاهدة التلفزيون لأكثر من ساعتين يومياً، عاماً ونصف إضافيين. وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى منا، يقضون عدداً أكبر من الساعات، تصل أحياناً إلى ثمان أو عشر ساعات، جالسين أمام مكاتبهم، وأكثر من ساعتين يومياً أمام شاشة التلفزيون، يمكن لنا أن نتخيل عدد سنوات العمر التي نفقدها بمجرد الجلوس دون حراك. وهو ما يتوافق مع نتائج دراسة سابقة كان قد أجراها علماء جامعة "كامبريدج" بالتعاون مع مجلس الأبحاث الطبية البريطاني. هذه الدراسة التي استغرقت ثلاثة عشر عاماً، وأجريت على عشرين ألف شخص، عُنيت بتحليل تأثير الأنماط السلوكية على احتمالات الصحة والوفاة والمرض، وخلصت إلى أن أربعة سلوكيات بالتحديد: ممارسة التمارين الرياضية، تناول الخضراوات والفواكه بمقادير كافية، الامتناع عن التدخين، والامتناع عن شرب الكحوليات، من شأنها أن تضيف أربعة عشر عاماً لعمر الفرد. أو بمعنى آخر، فإن غياب هذه السلوكيات، يؤدي لفقدان هذه الأعوام من العمر بسبب الوفاة المبكرة، حيث يؤدي فشل المرء في اتباع هذه السلوكيات الصحية إلى زيادة احتمالات وفاته المبكرة بمقدار أربعة أضعاف. هذا الأثر السلبي من الممكن تحجيم ضرره بقدر كبير، من خلال التالي: 1- إدراك أهمية النشاط البدني اليومي على الصحة العامة، وعلاقة قلة هذا النشاط بطائفة متنوعة من الأمراض والعلل. 2- توزيع النشاط البدني على فترات قصيرة خلال أيام الأسبوع، أو قصرها على فترة أو فترتين طويلتين. 3- هذه الفترات يجب أن تتضمن 150 دقيقة على الأقل من النشاطات البدنية المتوسطة، مثل ركوب الدراجات الهوائية، أو 75 دقيقة من النشاطات البدنية المرتفعة، مثل الركض والهرولة أو لعب التنس أو كرة القدم. 4- يجب ممارسة النشاطات والتمارين الرياضية التي تقوي العضلات الرئيسية في الجسم، مرتين أو أكثر خلال الأسبوع الواحد. ويحتل الأطفال مكانة خاصة في هذا الموضوع، ليس فقط بسبب أن اللعب البدني، وخصوصاً في المساحات الشاسعة والمفتوحة، ضرورياً لحفاظ الأطفال على وزن مناسب لأعمارهم، وفي نمو هيكلهم الخارجي من عظام وعضلات، وأعضائهم الداخلية مثل القلب والرئتين، نجد أن اللعب الاجتماعي الذي يشارك فيه عدة أطفال في وقت واحد، ضروري أيضاً للنمو النفسي لهؤلاء الأطفال، على صعيد قدرتهم على التعاون، والاندماج في المجموعة، والتواصل مع الآخرين، وغيرها من الملَكات الاجتماعية الضرورية للنجاح في الحياة العملية. كما أن زرع ثقافة النشاط البدني وممارسة الرياضة في شخصية الأطفال من عمر مبكر، سيجعلها سلوكيات روتينية يحملونها معهم في المراحل اللاحقة من حياتهم، وستجنبهم الركون للجلوس لساعات طويلة أمام شاشات الترفيه المختلفة، وهو ما سيحقق لهم الوقاية من طائفة متنوعة من الأمراض، تفقدهم سنوات من عمرهم، وتؤدي بهم في النهاية إلى الوفاة المبكرة. د. أكمل عبد الحكيم