هناك جدل كبير يدور حول التغيير في المنطقة العربية، ومصدره الخوف من اعتلاء الإسلاميين الحكم، كما حدث في مصر وتونس والمغرب، ومبرر هذا الخوف هو ما كانت تروجه بعض الأنظمة حول الإسلاميين باعتبارهم مناهضين للمصالح الغربية، ما جعل أميركا والدول الأوروبية تتردد في دعم حركات التغيير رغم أن هناك نوعاً من الاتفاق الأوروبي الأميركي على ضرورة التحول الديمقراطي في المنطقة، بمعنى إدخال إصلاحات تحد من الفساد والاستبداد. هذا علاوة على أن أحد أسباب الاحتقان في بعض الدول العربية، هو أصلاً دعم الغرب لحكومات معادية لشعوبها مما أدى إلى معادة الغرب. والحقيقة أن فوز "الإسلام السياسي" جاء نتيجة للخنق الداخلي وارتفاع درجة الاستفراد، وليس تعبيراً مباشراً عن معاداة الغرب، ومن هنا فإن مقولة التصادم الحضاري بين الإسلام والغرب ليست دقيقة. فواقعياً، هناك تأكيدات من الرئيس المصري الجديد، ورسائل واضحة من المغرب وتونس، تفيد بتفاهم عملي، مما يعني أن كثيراً من الأطروحات السابقة لن تجد بالضرورة طريقها ضمن الحكومات "الإسلامية" التي جاءت في إطار الدينامية الجديد. فالحركات الإسلامية تدرك أهمية المحافظة على وجودها، ولا تريد دخول مواجهات، سواء مع الغرب أو مع قوى المجتمع في دولها، وهي تشيد بالدولة المدنية كما تدرك خطورة المرحلة. فمصر مثلاً تعاني من أزمات خانقة لا يمكن معالجتها ضمن مفاهيم نظرية بعيدة عن الواقع أو بمعزل عن المؤسسات المالية الدولية. فالمواجهة ليست سهلة، وإعادة بناء الاقتصاد ومؤسسات الدولة عملية تستغرق عقوداً، ولا يمكن حل كل شيء في ليلة وضحاها... وهذا ما ينبغي فهمه من القوى المدنية التي تختلف مع الإسلاميين. فعملية إعادة البناء تحتاج إلى تكاتف الجهود وإلى رؤية واقعية في دول عاشت عقوداً طويلة من الاستبداد والفساد. الحركات المدنية المختلفة مع توجهات الإسلام السياسي، عليها أن تعي حجم عملية الانتقال، وأن تعمل على تحقيق تحولات آمنة تعيد التوازن لمؤسسات المجتمع بعدما تعرضت لسلسلة من التخريب المنظم طوال عدة عقود. لدينا إجماع غربي على أهمية تحقيق الإصلاح في المنطقة العربية والانتقال المتدرج للديمقراطية لأن دول المنطقة، وخصوصاً المصدرة للنفط، مرتبطة بالاقتصاد العالمي واستقرارها مهم لكي لا يتعرض العالم لمجازفات تهدد استقراره، فالتغير واقع، مما يفرض أهمية أخذ المبادرة نحو إحداث توازنات اجتماعية واقتصادية جديدة تستند على دولة القانون التي تضمن التقليل من درجات تفشي الفساد والحد من الاستفراد بالحكم. ودول الخليج العربي، بحكم قدراتها المالية الكبيرة، وبحكم دورها التاريخي في دعم الإسلام، هي اليوم مطالبة بتنقية الصورة المشوهة عن الدين الإسلامي، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال برامج تعليمية وسياسة إعلامية مدروسة تقوم على قيم العدالة الإنسانية الداعمة للتفاعل مع كافة الحضارات. فدول الخليج العربي يجب أن لا تكتفي بالمال النفطي في مواجهة الاحتقان السائد في المنطقة، خصوصاً وأن ثمة توترات في الساحتين، الكويتية والبحرينية، حيث لا يمكن تجاهل أوضاع البلدين لأن المنظومة الخليجية مترابطة ومتداخلة.