تميل النقاشات الأميركية حول الحرب في أفغانستان للتركيز على الوتيرة التي سنسحب بها قواتنا من هناك والعودة بها سريعاً إلى أرض الوطن، فضلاً عن قدرتنا على العمل مع حكومة كرزاي للتفاوض حول اتفاق للسلام مع "طالبان". لكن ما لا يقل أهمية بالنسبة لمستقبل أفغانستان وتماسكها، وما إذا كان يمكن منع عودة "طالبان"، أو "القاعدة" إلى البلاد هو من سيخلف كرزاي في الرئاسة عندما تنتهي ولايته في 2014 وهنا يتعين على الولايات المتحدة بذل قصارى جهدها لضمان تولي أحد الإصلاحيين الأفغان السلطة بعد كرزاي، وبالطبع ليس الأمر سهلاً، فلو فاز أحد أمراء الحرب، أو سياسي فاسد بالرئاسة سيتم إهدار المساعدات المالية، كما سيتعرض الاقتصاد الأفغاني، الذي ما زال يعتمد على مليارات الدولارات من الدعم الخارجي كما شهدنا مؤخراً في مؤتمر طوكيو للدول المانحة، إلى انتكاسة كبرى. ومن المرجح أيضاً إذا ما وصل رئيس فاسد إلى السلطة أن يتم إهدار كل الإنجازات التي تحققت على مدى السنوات الماضية وساهمت في تحسين مستوى معيشة الأفغان ورفع مستويات التمدرس بين الأطفال وانتشار استخدام شبكات الاتصالات والهاتف المحمول، والأسوأ من ذلك سيكون للمتمردين كلمة مسموعة لدى الأفغان المستائين، وقد تعود الحرب الأهلية مجدداً لترخي بظلالها على البلاد، ومعها قد تبسط "طالبان" و"القاعدة" سيطرتهما على مساحات واسعة من أفغانستان لنرجع بذلك إلى المربع الأول ونفقد البلاد تماماً، لكن إذا ما كان الرئيس المقبل لأفغانستان إصلاحياً ولو بدرجة معتدلة فإن النتيجة بالقطع لن تكون باهرة، إلا أنها ستكون أفضل من الهزيمة. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مجموعة من القادة المحتملين القادرين على مواجهة التحديات مثل "حنيف أتمار"، وزير التعليم والداخلية السابق الذي ساهم مؤخراً في تشكيل حركة سياسية متنوعة الإثنيات، وهناك رجل الاقتصاد، أشرف غاني، ووزير الخارجية والمرشح السابق للرئاسة، عبد الله عبد الله. فلو أن أحد هؤلاء الإصلاحيين فاز بالرئاسة فإننا سنضمن استمرار حكومة كابل في صراعها لاحتواء التمرد في المناطق الريفية مع الاستمرار في استيعاب الضربات التي تتعرض لها المراكز الحضرية، ورغم الصعوبات ستنجح الحكومة في إحكام سيطرتها على المدن الكبرى وعلى الطرق الرئيسية والحفاظ على قوات الأمن دون مشاكل، وبتشكيل حكومات مناسبة تضم نواب رئيس أكفاء ووزراء إصلاحيين وبتبني المقاربة الملائمة في التواصل مع طالبان والسعي للتصالح معها يمكن إبعاد مخاوف الحرب الأهلية والانقسامات الإثنية. ومع أن البعض قد لا يحبذ فكرة التدخل في المسلسل الانتخابي لدول مستقلة وذات سيادة، إلا أن الإصلاحيين الأفغان هم أنفسهم من يطلبون المساعدة، فعندما زرت أفغانستان في شهر مايو الماضي اقترح علي العديد من المسؤولين الذين التقيت بهم أن تختار أميركا مرشحها للرئاسة حتى يلتفوا حوله، هذا بالإضافة إلى التأثير المستمر للوجود الدولي في أفغانستان سواء اعترفنا بذلك، أم لم نعترف، كما أن الوقوف إلى جانب حكومة كرزاي هو في حد ذاته تدخل لأنه يعطي للرئيس الحالي قدرة على استغلال الموارد المتاحة والإعلام لدعم خليفة له. والأكثر من ذلك أنه في ظل القرارات التي يتخذها المسؤولون الأميركيون بشأن الأموال وعدد الجنود الذين سيظلون في أفغانستان لمساعدتها على المدى الطويل، فإنه يحق لنا القول إن مستوى المساعدات ستتأثر بالاختيارات التي سيقوم بها الأفغان، حتى لو لم نسعَ مباشرة إلى اختيار رئيس للبلاد. ومن غير المتصور أن يواصل الكونجرس في إبقاء ما لا يقل عن 20 ألف جندي أميركي في أفغانستان بكلفة سنوية تصل إلى 25 مليون دولار حتى بعد 2014. ويضاف إلى ذلك المساعدات السنوية التي تتراوح ما بين 3 و 5 مليارات دولار في السنة موزعة بين الاحتياجات الأمنية والمطالب الاقتصادية لدعم الحكومة الأفغانية، إذا كانت تلك الحكومة غارقة في الفساد وسوء الإدارة، ففي هذه الحالة قد لا يصل الأمر بالولايات المتحدة إلى التخلي التام عن أفغانستان بسبب المصالح الأميركية المستمرة، لكن ستُقلص المساعدات بشكل كبير.هذا الواقع علينا نحن كأميركيين توضيحه للأفغان قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014 تساعدنا في ذلك البعثات الدبلوماسية الأجنبية الصديقة في كابل، لا سيما بعثات الدول المسلمة الرئيسة مثل تركيا وإندونيسيا وتنزانيا، بحيث يتعين على تلك الدول القول بصراحة وعلانية إذا لزم الأمر بأن مرشحاً ما لن يكون مقبولاً كرئيس. ومع أنه من الصعب الالتزام بتعهد أميركي واضح بالنظر إلى أجواء الانتخابات الأميركية، إلا أنه يتعين على الحزبين معاً، بالإضافة إلى أوباما ورومني، توضيح الموقف الأميركي للأفغان والمتمثل في استعداد واشنطن تقديم المساعدات اللازمة لأفغانستان شريطة اختيار الرئيس المناسب، وهي الرسالة التي لا تبدو واضحة بعد في كابل، فالعديد من الأفغان يعتقدون أن الولايات المتحدة ستغادر أفغانستان في جميع الأحوال وأنها ستخذلهم كما حدث من قبل، أو أنها ستبقى حتماً بالنظر إلى فهم مبالغ فيه من قبل بعض الأفغان للقيمة الجيوسياسية لبلادهم وحاجة أميركا لها. والحال أن الرئيس الأفغاني السابق سيكون عليه تبديد هذه الأوهام وخلق المناخ الملائم لإنجاح الشراكة الأمنية الموقعة مع أفغانستان على غرار باقي الشراكات الأخرى التي أسستها أميركا مع بلدان مثل اليونان وتركيا والأردن ومصر وكوريا الجنوبية وتايوان، لذا يتعين على الأفغان إبعاد أمراء الحرب والمحتالين الذين قد يسعون إلى خلافة كرزاي، ذلك أن نجاح ثلاث عشرة سنة من الجهد الأميركي والأفغاني المتواصل يعتمد بشكل كبير على إجراء انتخابات سليمة واختيار الرئيس المناسب. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"