البعض يريد تصوير وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الناس باعتبارها مشكلة كبيرة، وكأنها لا يوجد فيها أي شيء يمكن الاستفادة منه. هذا التصوير بالنسبة لي مضلل وغير دقيق، على حقيقة أن هناك أفراداً ومؤسسات استفادوا من هذه الوسائل عندما "كيفتها" أو أخضعتها لأشياء إيجابية، واستطاعت أن تسجل مساحات محسوبة لها للتواصل مع الجمهور. "الفيسبوك" و"التويتر"و"اليوتيوب" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي يمكن اعتبارها خطوة متقدمة جداً في تحقيق التواصل بين الناس، وتسهيل تبادل الآراء بين الحكومة والجمهور حول العديد من الخدمات. هناك من وقع في المحظور ورحب ببعض الأفكار غير المقبولة في مجتمع الإمارات لسبب أو آخر. وهذا الأمر أعطى مبرراً لرافضي التعامل مع هذه الوسائل بأنه على حق، خاصة بعد أن تجاوز البعض حدود اللباقة الكلامية. وفي مقابل ذلك هناك آخرون كانوا أكثر وعياً من أفراد ومؤسسات حكومية، فوظفوا هذه التقنية المتطورة التي تحتل الإمارات فيها موقعاً إقليمياً ودولياً مرموقاً، فوجدوا فيها فرصة لخدمة المواطن، وأعطوا تجاوزات البعض حجمها الطبيعي باعتبارها عارضاً لن يستمر، فالمسألة مجرد قلة إدراك وعدم وعي فقط! كثيرون على وعي بأن مساحات الجدل والسجال حول القضايا المجتمعية في العالم تعدُّ أمراً واقعياً ونتيجة مباشرة لعملية التداخل العالمي والتقارب في المساحات، بعد أن ألغت ثورة الاتصالات المسافات الواقعية وصرنا نعيش عالماً افتراضياً، الكل مشترك فيه. وهم يعتقدون -وأنا منهم- أن هذه التحولات في وسائل الاتصال أمر طبيعي، من واقع حالة الانفتاح العالمي على المجتمعات، وبالتالي فهم يتعاملون مع هذا التغيير بشكل طبيعي باعتباره تحولات لما يحدث في العالم، ولا يمكن الوقوف أمامها بجمود، ولأنه لم تعد هناك قضايا لها "خصوصيتها المجتمعية" حيث تجد البعض يدلي برأيه في قضية مُغرقة في محليتها، سواء أكان مدركاً تفاصيلها أم لا. التحدي الحقيقي للمجتمع الإماراتي هو ما يتم من نقاشات وآراء سلوكية من قبل البعض، ذلك أن بعض تلك النقاشات بعيد عن الرأي المسؤول ولا علاقة له بأولويات الوطن، بل هو أقرب لأن يكون سباً وتجريحاً يعاقب عليه القانون، لذلك فهو تصرف غير مبرر إطلاقاً، ويؤكد رغبة البعض في إساءة استغلال مساحة حرية التعبير، كما ينم عن ضغينة في نفسه. وهناك نقاشات أخرى تؤكد أن بعض "المغردين" لم يعتادوا بعد لغة التخاطب بالشكل الصحيح عندما تتاح لهم فرصة التعبير. الإمارات وضعت مثل هذه السلوكيات تحت قائمة الجريمة الإلكترونية، واستطاعت التمييز بين الحق في ممارسة حرية التعبير وبين تجاوزات الذين اعتقدوا أنها فرصة للانفلات الإلكتروني والانقلاب على سلامة المجتمع وقيمه. للأسف، إن بعض التجاوزات تعدى التطاول إلى قيام بعض الجماعات ببث أفكارها المرفوضة اجتماعياً ونشر الأكاذيب والشائعات. لم يعد لأحد خيار أن يرفض هذه الوسائل أو أن يهاجمها معتقداً أن الناس سيبتعدون عنها ويرفضونها، لكن المطلوب هو العمل على إيجاد صيغة صحيحة للتعامل معها، وخلق قواعد وحدود من أجل تأطير هذه التفاعلات بالطريقة التي تتناسب معها، كما ينبغي توضيح الصورة والمعلومة بشكل شفاف ودقيق، وإيجاد الحل المناسب لمواجهتها. كثيرون يراهنون على أن المستقبل كفيل بأن يرتقي بوعي الجمهور وبالثقافة المطلوبة للارتقاء بالممارسات وأدبيات الحوار، باعتبار أن نجاح المسيئين مبني على محدودية الناس المتعاملين مع هذه الوسائل.