في الكتاب الجديد الذي نشر للعالم الفلولوجي "كورنيليوس هارتس"، لم يصح ما نقل عن أرخميدس حينما فاجأه الجنود الرومان بعد اقتحام قلعة صقلية في الحرب الدائرة حينها، حيث صاح بالجندي الروماني: لا تعبث بدوائري! كان أرخميدس غارقاً في عالم الرياضيات، وهو الذي ساهم في إحراق وتدمير سفن الرومان بطرق رياضية، فليس غريباً أن يطعنه الجندي الروماني بخنجر الموت. كذلك لم يصح أكثر من 70 في المئة مما نقل عن كارل ماركس حيث يعزى له: ماذا أقول قبل الموت، إنهم الحمقى الذين لم يقولوا شيئاً خلال كل حياتهم حتى يتحدثوا بالحكمة في لحظات موتهم؟ ما يهمني من مثل هذه الروايات وغيرها، أن لحظات الوفاة والكلمات الأخيرة، قد تمثل مفصلاً في تشكيل العقائد بل ومصائر الشعوب، ومن ذلك على سبيل المثال أن جنكيز خان، الفاتح الأشهر، سقط من الحصان وأصيب بالحمى وشعر بدنو الأجل وكان له ثأر مع قبائل التنجوت، فأوصى في لحظات موته الأخيرة بالقضاء المبرم على تلك القبائل حتى لا يبقى لها أثر، أي التقتيل ذبحاً بحق كل كائن حي في مناطق سكناهم، بما في ذلك القطط والكلاب... وقد نفذ أتباع جنكيز خان وصية قائدهم بحذافيرها كما قال، فلم يبق من قبائل التنجوت مخبر يقص ما تعرضوا له على أيدي جنود جنكيز خان. وفي حادثة أخرى مشابهة، حاول الزعيم النازي هتلر، في لحظات وداعه الأخيرة، وهو يرى تهاوي الرايخ الثالث، أن يدمر كل ألمانيا لأنها في نظره لا تستحق –وذلك بموجب مفاهيم المدرسة الداروينية الجديدة- البقاء في صراع الوجود، فأوصى وزيره للتخطيط (شبير) أن يهدم كل البنية التحتية لألمانيا حتى لا يبق شيء اسمه الشعب الألماني! سمع الوزير "شبير" التعليمات بدقة وبإصغاء شديد، ثم انتظر أياماً قليلة حتى علم أن الفوهرر (الزعيم) قد انتحر انتحاراً مضاعفاً بالسيانيد والرصاص مع عشيقته إيفا براون. في مثل ذلك الوضع النفسي، وتحت ظروف الهزيمة والانكسار الحربي الألماني، راهن وزير الدعاية النازي الشهير "جوبلز" على الخطة الهتلرية ذاتها، وخلاصتها أن الحياة لا تستحق أن تعاش بعد الفوهرر، وبالتالي حكم بالإعدام على نفسه وعائلته فانتحر هو وزوجته بعد أن قاما بتسميم بناتها الست، وأوصى جوبلز شخصياً بحرقه بعد الموت وقد تم العثور على جثته مشوهةً. في مثل هذه الأجواء الانتحارية، لا يستبعد الآن في سوريا أن يحدث شيء شبيه بما أوردناه آنفاً، وذلك في لحظة من لحظات اليأس. فالنظام البعثي يمشي في خطة انتحارية إلى الهاوية، وسيأخذ معه، كما قالت الصحافة الإسرائيلية مع بداية اندلاع الأحداث، الكثير من أرواح الشعب السوري إلى الهاوية المحتومة.