أفرزت ثورة المعلومات وتقنيات الاتصال الحديثة تحديات كبيرة لوسائل الإعلام التقليدية، أهمها انتقال الجماهير من متلقين ومستهلكين للصحف الورقية وقنوات التلفاز إلى مشاركين ومتفاعلين في وسائل الإعلام الاجتماعي. لا شك أن صورة الإعلام التقليدي اهتزت كثيراً عند الجماهير بعد أن افتتحت أعينها على الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي التي قدمت للمواطن العربي تجربة إعلامية فريدة من نوعها، ووفرت له منصة حرة للتعبير عن رأيها والتفاعل مع مختلف الشؤون والقضايا بعيداً عن أجندة وسياسات وسائل الإعلام التقليدية و"حرَاس البوابة" التقليديين. إن شبكات التواصل الاجتماعي أُنشئت في الأساس- كما هو واضح من تسميتها- من أجل التواصل الاجتماعي وتعزيز قدرات تواصل الأفراد مع بعضهم من خلال تقنية تفاعلية. ولا أعتقد أن هذه الشبكات تُعتبر في الأنظمة الديمقراطية القائمة على التعددية وحرية الصحافة رديفاً أو نِدّاً للإعلام التقليدي من صحافة وتلفزيون، وتم توظيفها في الحراك السياسي الجماهيري المعارض للحكومات كما حدث ذلك في ثورات "الربيع العربي" التي اندلعت شرارتها في تونس أواخر عام 2010. تحولت شبكات التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" إلى فضاءات لتداول النقاش السياسي والفكري والاجتماعي وتبادل مختلف الآراء وتشكيل الرأي العام وتوجيه الجماهير وتعبئتهم تجاه القضايا الساخنة. وشاهدنا كيف يمكن أن تتحول هذه الوسائل إلى أدوات لكشف الحقائق وتبصير الناس بحقوقهم ومطالبهم المشروعة، وكيف يمكن أن تستغل في المقابل لتأليب الفتن والدعوات الطائفية والتعصب والعنصرية وإطلاق الأحكام بتخوين المخالف والترويج للشائعات، وكيف يمكن أن تسبب تغريدة في "تويتر" في أزمة سياسية، أو فتنة طائفية. في أحسن الحالات عززت وسائل الإعلام التقليدية من وجودها في شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن فتحت لها حسابات في "تويتر" و"فيسبوك" لتضع روابط أخبارها من أجل الوصول إلى الجمهور الذي لم يعد يُقلب صفحات الجرائد الورقية. ومنها من استفادت من ميزة التفاعلية في الإعلام الاجتماعي فاتخذته وسيلة لرصد تعليقات المتابعين لبرنامج تلفزيوني أو للمشاركة بالرأي في برنامج حواري في الإذاعة أو التلفاز. لقد تفوقت وسائل الإعلام الجديد والاجتماعي على الإعلام التقليدي في المجتمعات العربية ليس فقط بسبب ميزة التفاعلية والسرعة والانتشار، وأيضاً لأنها وفرت فضاءات حرة لتبادل الأفكار أخفق الإعلام التقليدي في توفيرها بسبب عدم استقلاليته وخضوعه لأجندة ملاكه في أغلب الأحيان. في عصر الفضاءات المفتوحة وشبكات التواصل الاجتماعي، لم تعد الصحف وقنوات التلفاز هي المصادر الإعلامية الوحيدة التي يستقي منها الجماهير معلوماتهم وإنْ لازالت تحتفظ بمصداقية أكبر مقارنة بالأخبار المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي. ولكن أمام وسائل الإعلام التقليدية تحد كبير لتطور مضمونها وخطابها بما يلبي شغف وتطلعات الجمهور المتعطش للمعلومة وللخبر الموثوق. عندما تأتي وسيلة إعلامية جديدة، فإن ذلك لا يعني إلغاء دور الوسائل السابقة، ولكن الجديدة تشارك الوسائل القديمة في نصيبها من الجمهور المستهلك للإعلام. كما أن الفرد أصبح أكثر قدرة على انتقاء ما يحتاجه، وأمامه خيارات عديدة سهلة للوصول للمعلومة. من أهم مميزات الإعلام الجديد أنه قضى على احتكار الإعلاميين المنتسبين إلى المؤسسات الإعلامية التقليدية من كونهم هم فقط القائمون بالاتصال والجديرون بإنتاج الرسالة الإعلامية. فقد صار بإمكان أي شخص لديه هاتف ذكي متصل بالإنترنت وحساب في "تويتر" ولديه مهارات اتصالية كافية أن ينتج رسالة إعلامية مؤثرة.