رغم إعادة عمليات الفرز في أكثر من نصف صناديق الاقتراع على مستوى المكسيك، فقد ظل "انريك بينيا نييتو" متقدماً على منافسيه في انتخابات الرئاسة، كما أظهرت النتائج المعلنة يوم الجمعة الماضي، حيث حصل على 38.2 في المئة من الأصوات متقدماً بفارق 6.7 نقطة على منافسه اليساري "اندريس مانويل لوبيرز أوبرادور". وكان "بينيا نييتو" قد أعلن نفسه فائزاً بالسباق الرئاسي يوم الأول من يوليو الجاري، عندما أظهرت النتائج الأولية حصوله على 38 في المئة من الأصوات بفارق 6.5 نقطة عن "لوبيز أوبرادور"، بينما جاءت "جوسفينا فاركويز موتا"، مرشحة "حزب العمل الوطني" الحاكم، في المركز الثالث. لكن "لوبيز أوبرادور" طلب إعادة فرز كاملة للأصوات، متعللاً بحدوث عمليات تلاعب واسعة ووقائع بيع لأكثر من ثلاثة ملايين صوت... ليقرر "معهد الانتخابات الفيدرالي" إعادة الفرز في 54 في المئة فقط من مراكز الاقتراع، مسترشداً بشروط محددة في قانون الانتخابات، لكن بعد أن تلقى بينيا نييتو التهنئة من الرئيس المنتهية ولايته فيليبي كالديرون، ومن زعماء آخرين مثل الرئيس الأميركي أوباما، ورئيسة البرازيل ديلما روسيف. والرئيس المنتخب "بينيا نييتو" الذي أعاد حزبَه إلى السلطة بعد 12 عاماً من المعارضة، هو سياسي مكسيكي وعضو في "الحزب الثوري التأسيسي"، وقد سبق أن كان حاكماً لولاية مكسيكو طوال ست سنوات. وقد ولد "انريك بينيا نييتو" في مدينة "آتلاكوميلكو" بالمكسيك عام 1966، وكان والده، "جيلبرتو انريكي بينيا ديل مازو"، موظفاً في الهيئة الفيدرالية للكهرباء، أما والدته "ماريا نييتو سانشيز"، فكانت مدرسة. وقد حصل "بينيا نييتو" على شهادة البكالوريوس من جامعة "بانامريكانا"، ثم على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة ذاتها. ويقول "بينيا نييتو" عن نفسه، وهو المعروف بمهاراته السياسية وأناقة هندامه، إنه بدأ العمل السياسي لأول مرة حين كان طالباً في المرحلة الثانوية، عندما مثّل مدرسته في احتفال عام. وقد دفعه طموحه لأن يصبح أميناً لـ"حركة المواطن" على مستوى المنطقة الأولى في "اللجنة الوطنية للمنظمات الشعبية"، عام 1990، وفي العام التالي أصبح مندوباً عن اللجنة لدى مختلف بلديات ولاية مكسيكو. هذا علاوة على خدمته كمؤطر وموجه في مراكز التكوين الانتخابي التابعة لـ"الحزب الثوري المؤسسي". وخلال تلك الفترة أيضاً شغل "بينيا نييتو" وظائف إدارية في حكومة ولاية العاصمة مكسيكو، حيث كان مديراً لمكتب وزير التنمية الاقتصادية في الولاية بين عامي 1993 و1998، قبل أن يصبح نائب أمين عام الحكومة عام 1999. واستفاد"بينيا نييتو" من عمله الرسمي ونشاطه داخل الحزب، في بناء سمعة سياسية أهّلته لتولِّي مناصب انتخابية. ففي عام 2001 أصبح عضواً في المجلس السياسي للحزب على مستوى مكسيكو، ليتم ترشيحه في انتخابات المجلس التشريعي للعاصمة، حيث فاز في انتخابات ذلك العام. ثم تم اختياره في عام 2003 منسقاً للمجموعة البرلمانية لحزبه في المجلس التشريعي المحلي. واستمراراً لذلك الخط التصاعدي، خاض "بينيا نييتو"، في يناير 2005 السبّاق داخل حزبه على الترشح لمنصب حاكم ولاية مكسيكو، ففاز على منافسيه ليصبح مرشح الحزب وليحظى بدعم أحزاب أخرى، قبل أن يحرز الفوز في الانتخابات بنسبة 49 في المئة، ويؤدي اليمين الدستورية في 15 سبتمبر 2005، كحاكم لولاية مكسيكو. وبعد عام من ذلك التاريخ، قام "بينيا نييتو" باستعراض أنشطة السنة الأولى من عمله حاكماً لمكسيكو، فتحدث عن تقدم إيجابي في المؤشرات الاقتصادية للولاية، وفي مجالات الإسكان والتعليم والدعم الزراعي. وبمناسبة حملته لانتخابات الرئاسة الأخيرة ذكّر "نييتو" الناخبين بإنجازاته على مدى ست سنوات في مكسيكو، خاصة فيما يتعلق بالأشغال العامة، والبنية التحتية، ومشاريع الطاقة، ووسائل النقل العام، وقطارات الضواحي، وبناء المدارس والمستشفيات، وتوفير فرص العمل، وتوسيع قاعدة الضرائب، وإعادة هيكلة الديون. وقد تظافرت عوامل عدة لتجلب الشهرة والشعبية والتعاطف لـ"بينيا نييتو"؛ فعلاوة على قدراته التواصلية وشخصيته المثيرة للإعجاب، وكذلك إنجازاته في مكسيكو... فإن حادثة وفاة زوجته المفاجئة، خلال سنته الثانية حاكماً لمكسيكو، أكسبته تعاطف كثير من المكسيكيين. ثم جاءت بعد ذلك ببضعة أشهر محاولة قتل أطفاله حين كانوا يقضون إجازة الصيف مع أقاربهم على شاطئ مدينة فيراكروز، عندما هاجمهم مسلحون فتحوا النار على الحراس الشخصيين المرافقين، فأردوا ثلاثةً منهم قتلى، دون أن يصاب الأطفال بأذى. وبعد التحقيق تبين أن المهاجمين مرتبطين بجماعات الجريمة المنظمة. وتمثل الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، أكبر تحد للاستقرار والتنمية في المكسيك، لذلك فقد وعد "نييتو" بإنشاء قوة شرطية جديدة في كل ولاية من الولايات المكسيكية البالغ عددها 31 ولاية، تختص بمحاربة الجريمة، مع توسيع سلطات الشرطة الفيدرالية، بينما يعود الجيش إلى ثكناته. كما تحدث عن معايير وأطر جديدة للتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة شبكات الاتجار بالمخدرات، على نحو يجعل التعاون فعالا ويحفظ لبلاده سيادتها. وكانت الولايات المتحدة قد توقعت العام الماضي، في برقيات دبلوماسية سربها موقع "ويكيليكس"، أن يكون "بينيا نييتو" الرئيس المقبل للمكسيك، مبديةً الخشية من احتمال أن لا يصل تعاونه معها إلى ما وصل إليه الرئيس المنتهية ولايته كالديرون، ولا حتى أي من الرؤساء السابقين المنتمين لـ"الحزب الثوري المؤسسي" نفسه، والذي حكم البلاد 70 عاماً قبل أن يطاح به من الحكم في عام 2000. هذا إضافة إلى أن المكسيك لم تعد بحاجة ماسة للمعونة الأميركية السنوية (1?6 مليار دولار)، حيث يتسلم "بينيا نييتو" السلطة في ظل أوضاع مالية "جيدة"، واقتصاد آخذ في التحسن، وإن كان غير قادر بعد على توفير فرص عمل كافية للعدد المتزايد من السكان. وذلك تحد آخر ينضاف إلى قائمة التحديات الطويلة أمام الرئيس المكسيكي الجديد. محمد ولد المنى