يوم السبت الماضي، توجه الليبيون إلى مكاتب الاقتراع من أجل انتخاب مؤتمر وطني سيحدد الخطوة التالية في التحول الديمقراطي لبلدنا. ومما لا شك فيه أن هذه الانتخابات تمثل حدثاً تاريخياً بالنسبة لبلد كانت فيه المشاركة العامة في السياسة محظورة لأكثر من أربعة عقود، ويمكن رؤية التحمس للمشاركة في الشؤون الوطنية عبر مختلف أرجاء البلاد، حيث تم تسجيل أكثر من 80 في المئة ممن يحق لهم التصويت في القوائم الانتخابية. وفي مكاتب الاقتراع، وجد الليبيون أمامهم سلسلة واسعة من الاختيارات، حيث تنافس أكثر من 3700 مرشح على 200 مقعد في المؤتمر الوطني العام، الذي يعد أول مجلس تشريعي منتخَب ديمقراطياً في البلاد، وسيقوم بتعيين رئيس للوزراء. وإذ كانت المنظمات السياسية محظورة في عهد معمر القذافي، فإن أكثر من 340 كياناً سياسياً تشكلت للتنافس في انتخابات يوم السبت الماضي. إنه حدث هام جداً لم يكن الكثير من الليبيين يعتقدون أن حدوثه ممكن. فقبل أقل من 18 شهراً، كانت قوات القذافي تهدد بالقضاء على الثورة الفتية. وكان ابنه سيف الإسلام قد وعد بأن "أنهاراً من الدم" ستتدفق عبر شوارع بنغازي، مهد الثورة. ونظراً لسجل النظام الطويل في الوحشية الذي يمتد على 42 عاماً، فإن قلة قليلة شككت في جدية هذا التهديد. ولحسن الحظ، فإن ذلك لم يحدث أبداً. وبدلاً من ذلك، وقف أطباء ومعلمون وميكانيكيون وطلبة... في الطريق. وخلال ثمانية أشهر، تمكن الليبيون الشجعان من دحر النظام القمعي وبدأوا من جديد. وخلال ثمانية أشهر ونيف التي أعقبت الأعمال الحربية، حققت ليبيا تقدماً هاماً في مجالات مختلفة، حيث يتم حالياً إعادة إدماج مقاتلي الحرية في المجتمع من خلال إتاحة الفرصة لهم للدراسة، أو تعلم مهنة ما، أو إطلاق مشروع، أو العمل لدى الحكومة. كما فتحت المدارس التي تخلصت من أفكار رجل مجنون في وجه الشباب الليبي. وأجريت الانتخابات المحلية في البلاد، وفي بنغازي، حصلت امرأة ترشحت للانتخابات على أعلى عدد من الأصوات من بين 400 يتنافسون على المجلس المحلي. كما أخذ الاقتصاد الليبي يرتفع إلى مستويات جديدة، وأعيد فتح بورصة طرابلس، وأدرجت شركات جديدة، ما يعكس هدف ليبيا المتمثل في تنويع اقتصادها وزيادة الفرص بالنسبة لمواطنيها. غير أنه ضمن جهودنا الرامية لخلق ليبيا جديدة، فإننا بحاجة إلى دعم مستمر من الولايات المتحدة. فالليبيون لن ينسوا لأميركا التزامها بحماية المدنيين خلال الثورة، وعلاقاتنا الثنائية لم تكن أبداً أقوى مما هي عليه اليوم. وعلى هذا الأساس، نأمل تشكيل شراكات تفيد كلا البلدين. إلا أن ليبيا ليست بحاجة إلى المساعدة بالمعنى التقليدي، فإيراداتنا النفطية كافية لتمويل إعادة الإعمار والتنمية. وبدلاً من ذلك، فإننا بحاجة إلى الخبرة والمساعدة التقنيتين. والدعم والتدريب في القطاع الأمني يمثل مجالاً هاماً تستطيع فيه الولايات المتحدة تقديم المساعدة، حيث تحتاج الحكومة الليبية إلى المساعدة في إعادة تنظيم الجيش والشرطة في وقت نقوم فيه بإدماج بعض من أشجع المقاتلين الذين ساعدوا على تحرير البلاد ضمن قواتنا الأمنية. لقد أعلنت إدارة أوباما عن مخططات لإنشاء صندوقين لمصر وتونس. وإذا كانت هذه الصناديق قد شجعت، بعد سقوط جدار برلين، الاستثمارات الأجنبية وأفضل الممارسات في القطاع الاستثماري في أوروبا الشرقية، فإنه يمكن أن يكون لها تأثير كبير جداً على الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الصاعدة، بكلفة منخفضة بالنسبة للولايات المتحدة. ونأمل أن تبحث واشنطن إمكانية تخصيص صندوق لليبيا، ونحن مستعدون للعمل عن قرب مع حكومة الولايات المتحدة على إنشائه. وإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الليبية تسعى إلى مواصلة توسيع برامج تبادل الطلبة مع الولايات المتحدة. فحالياً، يدرس أكثر من 1700 طالب ليبي في الجامعات الأميركية، وهم يعودون إلى وطنهم بتعليم ذي جودة عالية، ويساهمون في تغذية وتطوير علاقات أمتن بين بلدينا. وفي هذا الإطار، فمن شأن لجنة مشتركة حول التعليم العالي أن تفيد كلا البلدين. كما تحتاج ليبيا إلى خبرة القطاع الخاص الأميركي في وقت نعمل فيه على إعادة إنشاء البنية التحتية التي أُهملت طويلاً في عهد النظام السابق، ولتحسين قدراتنا في الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات، وزيادة الإنتاج النفطي والزراعي. وقد استضفنا مؤخراً بعض الوفود من شركات أميركية، ونرحب بمزيد من الاهتمام والشراكات معها. إن بلدنا يقدِّر الدعم الأميركي خلال تحولنا الديمقراطي. ويظل هذا الدعم هاماً في وقت نواصل فيه تطوير مجتمع مدني في بلد لم يسبق له أن عرف مجتمعاً مدنياً من قبل. وبغض النظر عمن سيفوز في انتخابات السبت، فإنها ستمثل نصراً كبيراً لليبيا حرة وديمقراطية. فقد دفع شعبنا ثمناً باهظاً حتى يستطيع إسماع صوته في صندوق الانتخابات. ومن الأيام الأولى للثورة إلى الاستعدادات لهذه الانتخابات، لم يزدد التزام الليبيين بالحرية والديمقراطية إلا قوة. وإذا كانت الكثير من التحديات تنتظرنا، فإنني على يقين بأن ليبيا ستكون نموذجاً لديمقراطية مستقرة ونشطة اقتصادياً في شمال أفريقيا. __________________ علي سليمان الأوجلي سفير ليبيا إلى الولايات المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"