العالم حبس أنفاسه قبيل لحظة إعلان نتائج الانتخابات المصرية بعد المقدمة الطويلة التي مهد بها القاضي قرار فوز الدكتور مرسي رئيساً منتخباً لمصر. وقبل فوز "الإخوان" برئاسة مصر كان فوز "الإسلاميين" في تونس، لكن العالم أجمع كان اهتمامه بمصر أكبر من ما سبقها من التجارب كليبيا أو تونس لأن مصر تمثل عمق الوطن العربي ومنها تنطلق التجارب. فبعد مصر عمت الوطن العربي حركة القومية العربية في زمن الراحل جمال عبد الناصر، ومنها اقتبس العرب أنظمتهم التعليمية وهي من صاغت بعض الدساتير في الوطن العربي والقوانين. في مصر تعلم الكثير من العرب واقتبسوا ثقافتهم، ومنها بدأت حركة "الإخوان" قبل أن تتحول إلى تنظيم عالمي، وحتى أهل الفن والطرب تسمعهم يقولون إننا تعلمنا في مصر فنون التمثيل والغناء، لذلك اهتم الناس بما يجري في مصر. فما الذي يعنيه فوز "الإخوان" بهذا المنصب؟ من يقرأ في أدبيات الجماعات الإسلامية وفكرهم المنشور يعتقد أن في مصر بعد عام من الآن سيجد اللصوص يمشون في الطرقات وقد قطعت أيديهم، وسيجد الجلاد يمشي في الشارع طالباً من النساء التحجب، وستصبح الخمور عملة صعبة، وكم من الزناة سيقام عليهم الحد ويشهده طائفة من الناس، بيد أن أمراً من هذا لن يجري لأن الحركات الإسلامية الأصولية تعمقت في البراجماتية والميكافيلية حتى سادت على الفكر الغربي الذي نادى بها. ولا أعتقد أننا سنرى في مصر نموذج "طالبان" أو حتى حكم "آيات الله" في إيران لأن مصر ليست كذلك، فالشعب المصري لم يعد مقبولًا لديه شعار فرعون مصر "ما أريكم إلا ما أرى"، الوارد في القرآن. الشعب المصري أصبح يريد، ومن حقه أن يرى ما يريد على أرض الواقع. ومع الشعب المصري يقف الجيش الذي حمى مصر عندما وقف مع الشعب ضد رئيسه. ومن هنا نرى العديد من كتاب المقالات في العالم نظروا إلى مصر من هذا المنظار، فقد قالت "فاينانشيل تايمز" إن فوز "مرسي" يدفع مصر لفترة من "عدم الوضوح" حيث يتقاسم فيها السلطة الجيش و"الإخوان"، فيما يرى "إيان بلاك" بـ"الجارديان" أن فوز "مرسي" هو "نصر" لكنه مشروط لأن "العسكر" لازالوا موجودين وهم السلطة الحقيقية، من جهتها قالت "نيويورك تايمز" إن (الإسلامويين دخلوا التاريخ بنجاح، لكن مرسي لن يسهم كثيراً في حل حالة الجمود بين الإخوان وجنرالات مصر). لذلك أجد أن النموذج التركي هو الأقرب كي تحاكيه مصر في القريب العاجل، ففي تركيا جيش قوي شعاره حماية العلمانية، ومع هذا تعايش في وئام غير مسبوق مع حزب إسلامي ناجح، لأنه قاد البلد كي تكون أقوى اقتصاد في المنطقة، في تركيا حكومة يشعر من زار بلدها بمعنى التنمية الشاملة، فهل تكون مصر تركيا العرب في التنمية والازدهار؟ هذا ما يتمناه كل عربي مخلص لمصر لأنها قلب العرب وعمقهم الاستراتيجي. ولعلي أختم المقال بما كتبه الصحفي التركي مصطفى أكيول في مقال نشرته "نيويورك تايمز" يقول فيه إن "الإسلاميين" سيصبحون أكثر وسطية واعتدالًا عندما لا يتم قهرهم وقمعهم، مضيفاً أن الطغاة العلمانيين انتهجوا سياسة الاستبعاد والإقصاء معهم، الأمر الذي نجم عنه انتشار أعمال التطرف. ورأى "أكيول" أن اهتمام "الإسلامويين" بالترويج للديمقراطية ودعمها في مصر وتونس، يعد أنباء طيبة بالنسبة لمن يشعرون بالقلق حيال التطرف في منطقة الشرق الأوسط".