المؤتمر الدولي الذي عقد في جنيف الأسبوع الماضي بهدف التوصل إلى اتفاق حول طريق لحل الأزمة والعنف المتصاعد في سوريا، أفرز مقترحات فضفاضة حول حكومة انتقالية من غير المرجح أن تحقق أي شيء. ورغم هذا الإخفاق، وتقارير جديدة لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" حول تعذيب ممنهج للمعارضين من قبل نظام الأسد، والدعوات المستمرة إلى التدخل من قبل كثير من النشطاء، ومن ذلك الجيش السوري الحر، فإنه من غير المحتمل أن يكون ثمة أي تدخل أجنبي مسلح في سوريا على شاكلة ما حدث في ليبيا. فالوضع التكتيكي في ليبيا جعل التدخل سهلاً نسبياً: ذلك أن كل ما كان مطلوباً من أجل تجنب مذابح للمدنيين في بنغازي هو التصدي لقوات القذافي على طريق واحد نحو شرق البلاد بمحاذاة ساحل الأبيض المتوسط يفضي إلى تلك المدينة. وهو ما تم القيام به فعلاً، فأنقذت الأرواح. والحال أن مثل هذا الوضع غير موجود في سوريا، حيث سيتعين على الطائرات والصواريخ أن تهاجم تشكيلات للجنود تحيط بعدة مدن وبلدات إضافة إلى تحديد مواقع قواعد الميليشيات المدعومة من الحكومة والتي تعد أقل وضوحاً. ثم إنه إذا كان النظام الليبي السابق غير شعبي لدى الجميع تقريباً في العالم العربي والغرب، فإن سوريا بشار الأسد هي آخر حليف متبق لروسيا في المنطقة، وأهم حليف لإيران. عدد من الاتفاقيات الدولية الموقعة منذ عام 1945 قد يبدو أنها تمنح الشرعية لتدخل أجنبي، وبخاصة لمحاولات منح مساعدة فعلية للضحايا الذين يهاجَمون من قبل الحكومة السورية وميليشياتها. فالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يرخص لمجلس الأمن الدولي أن يتخذ عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. وقد أشار وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيس، إلى هذا الفصل في الثالث عشر من يونيو الماضي عندما قال إن فرنسا ستدفع مجلس الأمن الدولي إلى تطبيق خطة كوفي عنان للسلام ووقف إطلاق النار. غير أن الفيتو الروسي المحتمل في مجلس الأمن يجعل من تبني مثل هذا الحل أمراً مستبعداً. ليُترك بذلك دعاة التدخل أمام خيار "كوسوفو" فقط: عمل لحلف "الناتو" مستقل عن الأمم المتحدة. والحال أنه حتى في أزمة كوسوفو، فإن الهزيمة الصربية اعتمدت على سحب روسيا أخيراً دعمها لميلوسوفيتش بقدر ما اعتمدت على حملة القصف الجوي التي قام بها الناتو. كما أن اتفاقية حظر الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقعت من قبل كل البلدان تقريباً، لم تمنع أي إبادة جماعية من الوقوع، سواء في كمبوديا أو جواتيمالا أو رواندا أو السودان. وفي جميع الأحوال، فإن المستشارين السياسيين قد يقولون إن هذه الاتفاقية لا تنسحب على سوريا وذلك باعتبار أن المستهدَفين من قبل النظام لا يستوفون معايير الاتفاقية: فهم ليسوا "مجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية"، وإنما خصوم سياسيون "فقط"، وهم فئة غير واردة في الاتفاقية. ولعل ما ينسحب على الحالة السورية أكثر هو قرار "مسؤولية توفير الحماية" الذي تم تمريره بالإجماع في الأمم المتحدة عام 2005، والذي يعترف بمسؤولية كل الحكومات في حماية مواطني أي بلد آخر يتعرضون لهجوم من قبل حكومتهم. غير أن قرار "مسؤولية توفير الحماية" يترك عدة سبل للدول للتهرب من الاضطرار للتدخل على نحو فعال، تَهربٌ تبين أنه الخيار المفضل في حالات مثل السودان. وقد منع الأسد بنجاح الصحافة الدولية من دخول البلاد وتسبب في فشل مهمة المراقبين الأمميين من خلال قيود وحماية غير كافية بشكل متعمد. ولم يستطع مديرو وسائل التواصل الاجتماعي الهواة التعويض عن مثل هذه العرقلة على نحو فعال. كما أن زعماء العالم ربما يكونون مترددين في خلق سياسة تدخل بناءً على قتل أطفال، مثلاً، بينما لا تُعرَف فيه بشكل واضح الجهة التي ارتكبت أعمال القتل تلك. وربما يكونون قد تعلموا درساً من الأطفال الرضع الذين قيل إنهم قُتلوا في الكويت عام 1990 على أيدي جنود صدام حسين، وفق شهادة لدبلوماسيين في الكونجرس، وعندما حاول المحققون تأكيد هذه القصص بعد طرد العراق من الكويت عام 1991، تبين أنها قصص مفبركة. ورغم خطابها المندد بالنظام السوري، فثمة أيضاً سبب للشك في أن واشنطن ترغب حقاً في سقوط الأسد، وذلك لأن نظامه هو "الشيطان الذي نعرفه"، وهو شيطان لديه نقاط ضعف مثبتة: طرده من لبنان، وهزائمه أمام إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإنه يمتلك جيشاً محترفاً ووفياً في معظمه، وقاعدة دعم سياسي محددة ووفية في معظمها في خمُس السكان: الأقليتان العلوية والمسيحية. وبالمقابل، فإن "الجيش السوري الحر" وخصوماً آخرين للأسد هم أقل حرفية وتوحداً بكثير، ولديهم قاعدة دعم سياسي أكثر تقلباً، وهي من الأغلبية السنية في البلاد. وعليه، فالأرجح أن تقييماً للسياسة الأميركية والدولية تجاه التدخل في الحالتين الليبية والسورية لن يجدي شيئاً لزعزعة ثقة الحكومة السورية في قدرتها على الاستمرار وسط أسوء وأقسى أنواع القمع. والشعب السوري نفسه، وبشجاعة مستمرة تدفع عدداً متزايداً وإن كان لا يزال صغيراً من الضباط السوريين إلى التخلي عن النظام، هو الوحيد الذي سيُقنع الأسد بأن الوقت قد حان لاختيار طريق أقل دموية. جون هابل ويس كاتب وأكاديمي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"