من الأمور الواضحة أن إيران تقف أمام أي تجمع يضم الدول العربية مع بعضها بعضاً، وقد وقفت منذ زمن بعيد ضد النظام العربي الإقليمي القديم قبل تفككه وانهياره في أعقاب غزو الكويت عام 1990. وربما توجد أسباب إيرانية وراء ذلك، فالشرعية السياسية لأي نظام تكتل عربي تتمحور حول الانتماء العروبي والتكامل العربي، وهذه طروحات تتعارض مع الطموحات الإيرانية المرتكزة على ولاية الفقيه. وأيديولوجيا من هذا القبيل تشكل بدورها تحدياً لشرعية النظم السياسية العربية. وفي ظل ضعف الوحدات التنظيمية للنظام الإقليمي العربي القديم كالجامعة العربية ومنظماتها الفرعية الإقليمية، أصبحت إيران تنظر إلى الأوضاع الجديدة على أنها فرصة أمامها لتحقيق مصالح خاصة ومدخلاً لدور إقليمي أكثر فاعلية. لكن الطموحات الإيرانية تلك تقف أمامها حقائق إقليمية ودولية تتعلق بمصالح دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ودول الاتحاد الأوروبي. إن الولايات المتحدة تطرح أفكاراً حول ما تسميه بنظام الشرق الأوسط الجديد الذي يضم دولاً كثيرة في العالم العربي وجواره الجغرافي ووسط آسيا وتركيا وإسرائيل. ووفقاً لهذا الطرح ستدخل إيران في النظام الجديد كطرف من أطرافه إلى جوار دول كثيرة أخرى. لذلك فإنها ترى في ذلك تحدياً لطروحاتها الراديكالية المعارضة لتواجد الولايات المتحدة العسكري وتحالفاتها الفردية والجماعية مع دول مجلس التعاون، ولأي دور إسرائيلي أو تركي في شؤون الخليج العربي والمنطقة العربية. وتبرز تلك المعارضة من خلال ما تطرحه إيران وتمارسه تجاه مصالح تلك الأطراف، وهذا يثير في وجه إيران تحديات وعقبات تنعكس في عدة أمور: فأولاً، أن تواجد الولايات المتحدة في المنطقة وتحالفها وشراكتها مع أكثر من طرف فيها يثير إيران كثيراً، وثانياً، أن قيام دول مجلس التعاون ببناء قدراتها العسكرية وتطويرها واعتمادها على مظلة أمنية قوية تقودها الولايات المتحدة وتشارك فيها دول عدة من حلف شمال الأطلسي يمثل تحدياً كبيراً أمام إيران ويجعل ميزان القوة في الخليج العربي يميل إلى صالح دول المجلس، وثالثاً، أن وجود إسرائيل يمثل تحدياً للطموح والدور الإقليمي للسياسة الإيرانية. ورابعاً، أن تركيا بدأت مؤخراً في التوجه القوي نحو المنطقة وتريد فتح أسواق وقنوات اقتصادية وسياسية جديدة لها. وخامساً، أن دول مجلس التعاون تعطي موافقتها الرمزية للدخول في نظام الشرق الأوسط الجديد وفي أية ترتيبات أمنية أو دبلوماسية أو اقتصادية تترتب على ذلك، خاصة على ضوء تطورات الملف النووي الإيراني. سادساً: أن تركيا وإسرائيل تعتمدان على دور أميركي - أوروبي - عربي في إعادة تشكيل النظام الإقليمي الجديد للمنطقة، ويشكل الطرفان تحدياً عسكرياً بارزاً لإيران فيها. لكن هل يمكن لإيران القبول بالنظام الإقليمي الجديد هذا، وهل يمثل ذلك تقليصاً لدورها الإقليمي المأمول؟ إن المؤشرات تدل على أن إيران جاهزة للقبول بذلك، فهي تريد المشاركة في ترتيبات أوسع على صعيد المنطقة، لكن تلك المشاركة مرتبطة بتوفير دور متميز لها أمنياً وسياسياً واقتصادياً. لكن الأطراف الفاعلة لا تعير الضغوط الإيرانية الاهتمام الذي يتوقعه الإيرانيون لأنهم يعلمون جيداً أن ما تمارسه إيران هو عبارة عن نقل لمشاكل إيران الداخلية المستعصية على الحل إلى الخارج، وبأن الوجهة التي يمكن الاستفادة منها على هذا الصعيد هي الخليج والعالم العربي.