قرأت مقال "مياه المتوسط: الثورة والأزمة"، لكاتبه الدكتور السيد ولد اباه، وقد أعجبني كثيراً ذلك الربط الجدلي الخلاق الذي أقامه على المستويين، المفاهيمي والتاريخي، بين الأزمة وبين الثورة، كما أقامه بين جانبي المتوسط، أي أوروبا والعالم العربي. وفي هذا الصدد نرى الكاتب وهو يعود ليغترف من تراث الثقافة الأوروبية الحديثة الواسع والمتشعب، ومن حقب التكون الفكري والفلسفي لهذه "القارة"، متوقفاً عند لحظات وأعلام فلسفية تعد مؤسِّسةً للمشروع الثقافي الغربي الحديث برمته. وهنا يتحفنا الكاتب أيضاً بإحدى خلاصات متابعته اللصيقة لمجريات الحدث الأوروبي الراهن، ومفادها أن الحديث عن الثورات العربية واكبه حوار فلسفي أوروبي متجدد حول الأزمة الأوروبية تمحور حول إخفاقات المشروع الاندماجي الأوروبي والأزمة المالية الحادة التي تعرفها القارة حالياً. أما الملاحظة العميقة الأخرى فهي قوله إن أوروبا كانت دائماً ولا تزال فكرةً وليست إقليماً، وقد تأسست منذ البداية في علاقتها بالعالم، أي بالبعد الكوني، أو بمعنى آخر فإن دخولها في عصر الغياب، كما يقول "سلوتردايك"، يعني عملياً قيام أزمة عميقة في تشكل العالم. إبراهيم سلمان -أبوظبي