تعتبر السياحة من أهم الصناعات التي تسعى إليها كثير من الدول، وعلى الأخص السياحة العلاجية التي أصبحت من القطاعات السياحية المهمة في التجارة الدولية، لدورها الاقتصادي بالغ الأهمية، وبخاصة في موضوع زيادة الدخل القومي وتحسين مستوى ونوعية الموارد البشرية، والآثار الإيجابية التي قد تنتج عنها من المنظور الاقتصادي والاجتماعي والحضاري. ومن الملاحظ في هذا الصدد أن الوعي بأهمية هذه الصناعة لم يتوقف عند الدول المتقدمة، بل هناك دول آسيوية عديدة دخلت حلبة المنافسة في هذا المجال، مثل سنغافورة وتايلاند والهند، حيث استطاعت هذه الدول أن تحقق مستوى عالياً من الجودة والكفاءة والإنجاز الطبيين، وأصبح لديها مستشفيات وأطباء مرموقون، مما جذب إليها ملايين المرضى من مختلف بقاع العالم طلباً للعلاج، وبخاصة أولئك الذين يبحثون عن علاج نوعي عالي الجودة وبأقل التكاليف. وقد حققت تلك الدول معايير دولية عالية ونجاحات عديدة في علاج الكثير من الأمراض المعقدة، خاصة سنغافورة التي أصبحت تنافس الولايات المتحدة في علاج السرطان وإجراء العمليات المعقدة بكلفة أقل من كلفتها في الدول الغربية. إن الاهتمام بهذا القطاع ووضعه موضع تطوير وضمّه إلى أهداف التكامل العربي، من أهم الغايات التي ينبغي السعي إليها والعمل من أجل بلوغها، لاسيما أن سوق السياحة العلاجية العربية يعاني من حالة جمود ومن تفاوت كبير بينه وبين الأسواق العلاجية الأخرى في العالم. تضاف إلى ذلك بعض المشاكل التي يعاني منها التشخيص الطبي في الكثير من الدول العربية، والذي تفصله فجوة عن مستوى الجودة التي يتم بها في الدول المتقدمة، مما يجعل المواطن العربي يتجه في طلب العلاج إلى الخارج. إن التوجه سريعاً لرسم خريطة جديدة لملف السياحة العلاجية في المنطقة العربية، أصبح أمراً ضرورياً وملحاً، حيث إن العالم العربي يتمتع بالكثير من المميزات التي تؤهله وتجعله قادراً على أن يتطور في هذا المجال، بل ويتنافس فيه ويكون له وضعه الجيد. لكن ذلك يحتاج إلى معرفة بمضمون الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والمهم، والدراية بالفائدة من تطبيق المفهوم الاستثماري في المجال الصحي، وبأهمية التقليل من بعض الآثار والممارسات التي يشهدها قطاع الصحة العلاجية، بما في ذلك الأخطاء الطبية، وطول مدة المواعيد العلاجية، وتكدس المرضى في المستشفيات، وقصور التجهيزات الطبية وعدم توفرها أحياناً. ثمة حاجة عربية ماسة إلى إحراز تقدم شامل في هذا القطاع سعياً لجذب السياح من مختلف بلدان العالم، وإلى الاستثمار في هذا القطاع أيضاً من خلال إنجاز المشاريع والمرافق الصحية والطبية ومراكز البحث عالية الجودة، وتطوير المعايير الخاصة بالاعتمادات الطبية، وإيجاد خطة استراتيجية لتكوين أطباء أكفاء لديهم مستوى عالٍ من الخبرة والقدرة على المنافسة وإيجاد الحلول العلاجية التي يحتاجها المواطن العربي والتي تغنيه عن السفر طلباً للعلاج في الخارج. وفي هذا الخصوص، تشير الإحصاءات إلى أن دول الخليج العربية تنفق سنوياً 115 مليار درهم على العلاج في الخارج. إن الدول العربية بحاجة إلى التركيز على توفير أعلى مستوى من الرعاية الصحية والطبية من أجل تلبية احتياجات مواطنيها العلاجية، وللمحافظة على صحتهم والتقليل من الآثار الخطيرة التي قد تنجم عن الأخطاء الطبية، وإلى التركيز على إيجاد مراكز بحوث تختص بهذا القطاع وتكون دافعاً لإيجاد جو من التطور والإنجاز في المجال الطبي، والاستفادة من التجارب الناجحة لدول أخرى في مختلف أنحاء العالم.