يعدّ الانتقال إلى عصر الطاقة المتجدّدة أحد الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إليها العديد من الدول في المرحلة الراهنة، باعتبار أن مصادر هذا النوع من الطاقة هي مصادر دائمة غير مهدّدة بالنضوب في الوقت نفسه الذي تتمتّع فيه بالنظافة وتدني مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بل وانعدامها في العديد من المصادر، وهاتان الميزتان جعلتا من الطاقة المتجدّدة الحلم الذي تسعى إليه الدول لتحقيق التنمية المستدامة من ناحية وصيانة البيئة ضد التلوث وضد نفاد الموارد من ناحية أخرى. تعدّ دولة الإمارات واحدة من الدول الأكثر طموحاً والأكثر عملاً ومثابرة في اتجاه التحوّل إلى عصر الطاقة المتجددة، فبنت أول مدينة في العالم تعتمد على الطاقة المتجددة، وهي "مدينة مصدر" في أبوظبي، التي تعتمد على الطاقة الشمسية في توفير كل احتياجاتها من الطاقة في مختلف القطاعات، كنموذج فريد لا يوجد له مثيل في العالم، إلى جانب عدد كبير من المبادرات التي أصّلت لموقع متميز احتلته الدولة على خريطة الطاقة المتجددة العالمية، وأهّلتها إلى الفوز بحق استضافة المقر الدائم لـ"الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" (آيرينا)، متفوّقة بذلك على ألمانيا، التي نافستها في سباق الحصول على هذا الحق. وتشهد هذه الأيام بزوغ نجم مبادرة جديدة لدولة الإمارات في اتجاه التحوّل إلى عصر الطاقة المتجددة، فقد أعلنت شركة "الأحواض الجافة العالمية" الإماراتية بدء العمل في بناء أكبر منصّة بحرية في العالم تعمل بطاقة الرياح، وبالتعاون مع شركة "إيبل إي إس"، المزوّد العالمي لخدمات الطاقة، والعاملة في قطاعات الطاقة المختلفة بداية بالنفط مروراً بالغاز الطبيعي وصولاً إلى الطاقة المتجدّدة، وتمثّل هذه المبادرة خطوة مهمة تقطعها الدولة على طريق المشاركة في تحقيق أهداف التحوّل إلى عصر الطاقة المتجددة ليس داخل حدود الدولة فقط، ولكن في مختلف ربوع الكرة الأرضية أيضاً، إلى جانب أنها تمثّل خطوة مهمة أيضاً تجاه دخول الدولة إلى قطاع جديد من قطاعات الطاقة المتجددة، خاصة أن المنصّة المزمع إنشاؤها هي منصّة متنقلة، وهي نموذج غير مألوف وغير تقليديّ، يمثل إضافة جديدة إلى الرصيد المعرفي الإماراتي الخاص بقطاع الطاقة المتجددة، وليضع لبنة جديدة تضاف إلى الصرح الإماراتي المتميز في هذا القطاع، وتمثل خطوة جديدة تقطعها الدولة على طريق مواكبة المستجدّات والتطوّرات التي تشهدها صناعة الطاقة المتجددة حول العالم بشكل عام، وصناعة طاقة الرياح بشكل خاص، وتدلل المبادرة أيضاً على أن الطموح الإماراتي، في ما يتعلق بالطاقة المتجددة، ما زال طموحاً غير محدود، يمتلك مخزوناً لا ينضب من الرؤى والأهداف والغايات. إن دخول شركة "الأحواض الجافة العالمية" ومن ثم دخول دولة الإمارات صناعة بناء المنصّات البحرية العاملة في طاقة الرياح يمثّل نقلة نوعية وإضافة كبيرة لقطاع الصناعة الإماراتي، الذي سيتمكّن من تعرّف تكنولوجيات جديدة عن قرب، ومن ثم تطويع هذه التكنولوجيات في خدمة الأهداف التنموية بعيدة المدى، وتعميم استخدامها في مختلف القطاعات والصناعات ذات الصلة، كما أنها تضيف إلى التجربة الإماراتية خبرة جديدة، من شأنها أن تزيد من القدرات التنافسية لصناعة الطاقة المتجددة الإماراتية، وتجتذب إليها أنظار المتابعين، خاصة الدول النامية التي تبحث عن شراكات من أجل الاستفادة من مواردها في مجال الطاقة المتجددة، وهو ما يفتح الباب أمام آفاق استثمارية عالمية جديدة لدولة الإمارات.