تلقيت وثيقة "البديل الديمقراطي" التي أصدرتها قيادة تحالف "قوى الإجماع الوطني"، وقامت بنشرها وتوزيعها، وطلبت من السودانيين الحريصين على حاضر ومستقبل الوطن توقيعها. فالسودان يمر بمرحلة خطرة تحيط بها الأخطار والتهديدات، وتوقعات الناس الآن أن هذه المرحلة هي الفصل الأخير من مأساة طال زمنها، فإما أن يخرج منها السودان سلمياً أو أن يقع الانفجار الذي سيفضي إلى انهيار ما تبقى من الدولة السودانية ويقود إلى حرب أهلية لن تقاس بما سبقها من حروب أهلية طوال أكثر من نصف قرن. وهنا أقدم ملاحظتين حول وثيقة "البديل الديمقراطي": وأولى الملاحظتين أن "قوى الإجماع الوطني" يحمد لها كونها قد انتهت إلى أهمية وضرورة وضع برنامج أو خطة سياسية تنظيمية جاهزة متفق عليها من الجميع، حتى لا يتحول التغيير إلى فوضى تستغلها القوى المعادية. فالوثيقة التي اختارت لها قيادة التحالف ذلك العنوان (البديل الديمقراطي) هي برنامج متكامل لو تم تطبيقه فسيخرج السودان سلمياً وسيبدأ إعادة بناء الدولة. وكما قالت الوثيقة فإن قوى الإجماع الوطني إذ تؤكد حرصها على التغيير السلمي الديمقراطي، فإنما تستلهم تقاليد شعبنا في مواجهة الدكتاتورية. ثم تضيف: ومن موقع المسؤولية الوطنية نتقدم بهذا البرنامج إلى كافة جماهير شعبنا وقواه السياسية والاجتماعية الملتزمة بالنضال من أجل التغيير وفك الارتباط بين الدولة والحزب الحاكم وضمان استغلال القضاء وسيادة حكم القانون، وذلك للحفاظ على كيان الدولة السودانية من شر التمزق والتفتت. فلا ينقذ البلاد من حالة التردي والفشل والخضوع للوصاية الدولية إلا عزيمة أهلها وكافة قواها من أجل بديل ديمقراطي وطني مجمع عليه. الملاحظة الثانية حول هذا البرنامج الذي اتفق عليه قادة قوى الإجماع الوطني كونه جاء شاملاً ومنتبهاً للأخطاء التي وقعنا فيها وأدت إلى إجهاض ثورة أكتوبر وثورة أبريل، وأولها موافقتنا مرغمين على استعجال القوى الحزبية الكبرى على اختزال الفترة الانتقالية في عام واحد. لكن البرنامج الذي تعاهد عليه الجميع هذه المرة حدد الفترة الانتقالية بثلاث سنوات، تدير البلاد خلالها حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية الموقعة على وثيقة "البديل الديمقراطي". وتلتزم الحكومة القومية الانتقالية بعقد المؤتمر الدستوري الذي يضع إطار الدستور الدائم ويحدد كيفية صياغته وطريقة إجازته، مع التأكيد مبدئياً على أن السودان دولة مدنية ديمقراطية تتأسس على المساواة بين المواطنين، وأن الشعب مصدر السلطات، وأن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات. هذا الالتزام كان ولا يزال مربط الفرس الذي أضاع على السودان عقوداً غالية جراء التلاعب الذي مارسه السياسيون من جيلي الاستقلال وما بعد الاستقلال وقاد البلاد لكل ما حدث من مآس وآلام ومن تعطيل للتنمية وتمزيق للوحدة والوطن. هذا، وقد كان المؤتمر القومي مطلب كل القوى الديمقراطية والسياسية المستنير، ولم تصل قوى الإجماع إلى هذا الموقف إلا بعد أن ذاق دعاة الدولة المدنية الديمقراطية ويلات الدولة الإسلامية المزيفة التي أقامها انقلاب الجبهة القومية الإسلامية. الملاحظات كثيرة، لكن عندما يقرأ الناس وثيقة "البديل الديمقراطي"، ومنهم جماعة "الإنقاذ"، فسيجدون فيها المخرج والفرصة الأخيرة للسودان. لقد تحركت عجلة التاريخ ولا سبيل لإيقافها.